Home

 

الصلاة في حياة الطوباويَّة ماري ألفونسين

مؤسّسة رهبانيّة "الورديّة"

 

 
I- لِنحاول بدايةً تحديدَ مفهومِ الصلاة.

إنَّ الصلاةَ هي من مقوّماتِ الحياةِ المسيحيّةِ ومن أُسُسِ الحياةِ الرهبانيّةِ، فحياةُ الراهبِ والراهبة تتمحورُ حولَ الصلاةِ والتأملِ في الضروري والأوحَدِ. الصلاةُ هي اتحادٌ بالله، وتحاورٌ معهُ وإدراكُ الإنسانِ لبنوّتِهِ له. في الصلاةِ يرفعُ المصلّي التمجيدَ والطّلباتِ لله، ويسمعُ منه ما يهمسُ له بهِ روحُهُ القدّوسُ؛ فالمصلّي الدائمُ هو المُصغي الدائمُ لهمساتِ الروحِ العائشِ الدائمِ في حضرةِ الله.

إنّ حبَّ الله لنا هو ركيزةُ صلاتِنا، والصلاةُ هي أن نكونَ مع اللهِ ونحنُ نحبُّه.

الصلاةُ كالحياةِ عطيةٌ من الله. إنّها علاقةٌ وجوابٌ وموقفٌ وحالة، بل هي مناخٌ إلهيٌّ يغمرُنا كالنعمةِ ويُحيينا كالنَّسْمَةِ.

الصلاةُ والتكُرُّسُ توأمانِ، والدعوةُ الرهبانيّةُ هي "بنتُ الصلاةِ"، والمكرَّسَةُ هي امرأةٌ مدعوَّةٌ إلى سماعِ صوتِ اللهِ في أعماقِها والتجاوبِ مع ندائِهِ. إنّ الصلاةَ للنّفْسِ المكرَّسَةِ هي كالحبِّ وكتَنَفُّسِ الهواء، وهي فرحةُ القلبِ ومعنى الحياة. وهي قوّةُ التزامٍ وإبداعٌ في مسيرةِ إتّباعِ يسوعَ المسيحِ والاتحادِ بهِ. وبالتالي، فإنَّ الروحَ القدسَ هو معلِّمُ الصلاةِ لأنّنا لا نعرفُ وحدَنا كيف نصلّي كما ينبغي، " والروحُ أيضاً يأتي لنجدةِ ضعفِنا... ويشفع لنا بأنّاتٍ لا توصف" (روما 8/26)


II - الطوباويّة ماري ألفونسين والصلاة:
لقد عاشت الطوباويّة ماري ألفونسين هذه العلاقةَ مع الربِّ، والصلاة له ولمريم العذراء منذ نعومةِ أظفارها، ابتداءً من البيتِ الوالدي حتّى دخولِها رهبانيَّةَ مار يوسف الظهور، مروراً بتأسيسِ رهبانيّةِ الورديَّةِ، وصولاً إلى آخرِ حياتِها في عين كارِم حيثُ كرَّسَتْ وقتَها للصلاةِ.إنَّ الطوباويّةَ ماري ألفونسين هي امرأةُ صلاةٍ بامتياز. وكلّ مَن يقرأُ حياتَها ويسبرُ معنى دعوتِها يستطيعُ أن يكتشفَ أنَّ هذه الراهبةَ اعتمدتْ أوّلاً على علاقتِها بالعذراءِ مريمَ سيّدةِ الورديَّةِ، عبرَ تلاوةِ سُبحَةِ الورديَّةِ والتضرُّعِ إلى الربِّ بقوّةِ إيمانٍ بطوليٍّ عميقٍ. الطوباويّةُ ماري ألفونسين سبرَتْ حياةَ الصلاةِ من البابِ الواسعِ، مُعتَمِدَةً في صلاتِها على الثقةِ المُطلَقَةِ باللهِ وبشفيعتِها مريمَ العذراءِ سيّدةِ الورديّةِ. والمدخلُ الثاني كانَ تواضُعَها المميّزَ أمامَ اللهِ وأمامَ الآخرينَ، لأنَّ التواضعَ هو المحرِّكُ الأوّلُ للصلاةِ وهو الاسمُ الآخرُ للحقيقةِ. ولقد أدركتِ الراهبةُ ماري ألفونسين أنَّ عملَ الصلاةِ في حياتها هو أن تكونَ صادقةً مع ذاتِها، فوضَعَتْ نفسَها، كما هي، أمام الله، وعرفَتْ أنَّ التواضعَ أمامَهُ هو مرادفٌ لنزعِ الأقنعةِ التي غالِباً ما نتستَّرُ بِها في علاقاتِنا مع الآخرين. ماري ألفونسين، الطفلةُ والفتاةُ والراهبةُ والمؤسِّسَةُ، سارتْ على دربِ دعوتِها بصلاتِها النابعةِ من قلبِها، بثقتِها بالربّ كابنةٍ لهُ، متحديّةً كلَّ الصعابِ حتّى بَلَغَت المجدَ الأبديَّ لتكونَ في مصافِّ القدّيسينَ. بعدَ هذا العرضِ الشامِلِ، سأُحاوِلُ أن أتلمَّسَ في موضوعي هذا، قوَّةَ الصلاةِ وأهميّتَها في حياةِ الطوباويّةِ ماري ألفونسين، بدايةً مِنَ البيتِ العائليِّ مروراً بحياتِها الرهبانيَّةِ في ديرِ مار يوسف الظهور ثُمَّ مرحلةِ الظهورِ والنداءاتِ وصولاً إلى مرحلةِ تأسيس رهبانيَّةِ الورديَّةِ فنِهايةِ أيّامِها في عين كارِم.


III – ماري ألفونسين في حِضنِ العائِلةِ:
هي من عائلةٍ مَقدسيَّةٍ تميَّزتْ بالتقوى والالتزام المسيحيِّ، عائلةٍ تُصلّي مجتمِعَةً وبِصورةٍ يوميَّةٍ المسبحة الورديّة، وأحياناً مع عائلاتٍ أُخرى، عائلةٍ تُواظبُ على المشاركةِ في القدّاس يوميّاً. في تلكَ "الكنيسةِ البيتيَّةِ"، "معبد الحب والحياة"، في تلكَ العائِلةِ البسيطةِ، نشأتِ الطفلةُ على الصلاةِ، مِثالهُا أبٌ وأمٌّ يُصلّيانِ ويعملانِ ويُضحِّيانِ في سبيلِ أولادِهِما.  إنّها من معجنِ عائلةٍ مسيحيَّةٍ تقيَّةٍ وكادحةٍ في القُدْسِ، عائلةٍ يعملُ أفرادُها معاً ويُصَلّونَ معاً. في كلِّ المراحلِ التي مَرَّت بِها عائلة ماري ألفونسين، مِن حالاتِ الفرحِ إلى حالاتِ الحزنِ والألمِ والصعابِ والموتِ، كانَ للصلاةِ الدورُ الأوَّلُ في فهمِ المعنى الحقيقيِّ لِتِلكَ المراحِلِ. في كَنَفِ هذهِ العائلةِ "الكنيسةِ الصغيرةِ"، تربَّت ألفونسين وكبُرَ قلبُها بحُبِّ اللهِ والآخرين، فغدتْ فتاةً متواضعةً خدومةً مُحبَّةً، مِثالُها العذراءُ مريمُ سيّدةُ الورديَّةِ. في القُدسِ، أرضِ السيِّدِ المسيح، في القُدسِ أرضِ الإنجيلِ والورديّة، في أرضِ القداسةِ، تربَّت في أجواءٍ مقدّسة، لتُزهِر في أرضِ الخلودِ برفقة يسوعَ ومريمَ. لقد اختبرت ماري ألفونسين في ظرفٍ صعبٍ ودقيقٍ من حياتِها، وتحديداً في شبابِها، قوّةَ الصلاةِ للعذراءِ مريمَ، فعندما أعربَتْ عن رغبتِها في الدخولِ إلى رهبانيّةِ القدّيس يوسفَ، لاقت معارضةً شديدةً مِن قِبَلِ أبيها، فلجأت إلى الصلاة للعذراء مريم راجيَةً منها أن تُبدِّل موقفَ والدِها وأن تسهِّلَ أمرَ دخولها الرهبانيّة، فكانَ لها ما أرادت ثمَّ دخلتِ الديرَ بِرِضى أبيها الكاملِ. ماري ألفونسين هي ابنةُ مريمَ تلتجئُ إليها مِن خلالِ صلاةِ المسبحَة. وقد حَمَلَت في صلاتها وفي تفاصيلِ حياتها اليوميّةِ ما امتازَتْ بهِ حياةُ مريمَ من أفراحٍ وآلامٍ ومراحِلِ مجدٍ، كيفَ لا وقد عاشتْ ماري ألفونسين في الأماكنِ التي تمَّت فيها الأسرارُ المقدَّسةُ في زمنِ يسوعَ وأُمِّهِ مريمَ. هُناكَ ترعرعت الراهبةُ الطوباويَّةُ في عائلةٍ أعطتها تربيةً إنسانيّةً وروحيّةً وإنجيليّةً. وفي تلكَ العائلة نبتَتْ بذورُ دعوتِها وتكرُّسِها. وبفعل صلاتِهاِ البسيطةِ كان لها ما أرادتْ فدخلت رهبانيّةَ مار يوسف الظهور. لقد اختبرت ماري ألفونسين في ظروفِ حياتِها الدقيقةِ والصعبةِ وفي عمقِ تكرُّسِها الرهبانيِّ أنَّ للصلاةِ فاعليّةً كُبرى في الحصولِ على الجوابِ الواضِحِ من الله وفي الوصولِ إلى الحلِّ الصحيحِ لكلِّ مشكلةٍ مهما كبُرتْ.


IV- الأُخت ماري ألفونسين الراهبة:
لَبِسَتْ الثوبَ الرهبانيّ على جبلِ الجلجلةِ، وهناكَ كانت انطلاقتُها! وُكِلَ إليها مهمَّةُ التعليمِ المسيحيِّ في جميعِ صفوفِ إحدى مدارسِ القُدسِ، حيثُ أحسنَتْ تربيةَ تلميذاتِها على ممارسةِ الصلاةِ الدائمةِ وعلى الاستعدادِ اللائقِ للاحتفالِ بالقدّاسِ وتناولِ القربانِ الأقدسِ بحرارةٍ. عَمِلت على تتميم كلمةِ المسيح في إنجيلِهِ " اسعوا أوّلاً لملكوتِ الله وبرّه، وما سوى ذلكَ يُزادُ لكم" (متّى 6/33). أنشأت أخويَّةَ بناتِ مريمَ بِشِقّيها: أخويّةِ الحبلِ بلا دنس وأخويّةِ الأمّهاتِ المسيحيّاتِ، وكانت مُرشِدتَهُما الروحيّة، وهذا أحدُ المؤشِّراتِ على عمقِ رسالتِها وعلاقتِها بالربّ من خلال الصلاة. ذاكَ أنّ ماري ألفونسين عرفت كيف أنَّ الصلاةَ هي انفتاحٌ على الذاتِ وعلى الهِت وعلى الآخرِ. وكانت نتيجةُ صلاتِها النابعة من قلبها الخدمةَ وحُبَّ الرسالةِ ونشرَ كلمةِ اللهِ ومحبَّةَ أُمِّهِ مريمَ العذراء سيِّدةِ الورديَّةِ.

هذهِ الصلاةُ جعلت من ماري ألفونسين الراهبةِ نموذجاً حيّاً يُقتدى بهِ. تذوّقت طعمَ السماءِ وهي بعدُ على الأرضِ بفعل عملِ صلاتها النابعةِ من قلبِها المتواضعِ والمحبِّ. وكما كانت تُصلّي بحرارةٍ وثقةٍ وإيمانٍ، كذلِكَ كانت مُتَّقِدَةَ الحماسِ في نشاطِها الرسوليِّ وشديدةَ الإكرامِ للبتولِ مريمَ، وهذا ما كلَّلَ شخصيَّتَها وتصرّفاتِها بطبعٍ هادئٍ ورصينٍ ومُتَّزن، وَعَكَسَ روحانيَّتَها المُتأصِّلة المُثمرة. الأخت ماري ألفونسين ربطت مصيرَها باللهِ وبأمِّهِ مريم العذراء واختبرت حُبَّهُما لها. هناكَ، في جوارِ مهدِ المسيحِ بدأتِ الدعوةُ إلى تأسيسِ رهبانيَّةِ الورديَّةِ من خِلالِ ظهوراتِ أُمِّ الإلهِ سيّدةِ الورديَّةِ للأخت المتواضعة والبسيطة ماري ألفونسين. ومعَ كلِّ ظهورٍ للعذراءِ مريمَ، كانت ماري ألفونسين تُصّلي السُبحةَ الورديَّةَ، وبعد كلِّ ظهورٍ كانت تشعر بأَنَّها خُلِقت خلقاً جديداً ويطرأُ على حياتِها تغيُّرٌ ملموسٌ. وبِنتيجةِ هذهِ الظهوراتِ، أخذت تُمارسُ الزهدَ والتقشّفَ وإنكارَ الذاتِ. كانت، وهي تُصلّي، تتأمّلُ محاسنَ العذراءِ وتطلبُ إليها أن تُزيّنها بالفضائلِ وتُعطيها النعمةَ الفعّالةَ لتقتدي بِها في ما تبقّى لها من حياتِها. وكانت ماري ألفونسين في كلِّ مراحِلِ حياتِها تلتجئُ إلى الصلاة وإلى السبحةِ الورديَّةِ بِشكلٍ خاص. وصلاتُها كانت تنبعُ من القلبِ، مرتفعةً من عُمقِ أعماقِ كيانِها. وها نحنُ نسمعُها تقول: "في اليومِ الحادي والثلاثين من الشهرِ المريميّ، وإذ كنتُ منفردةً وقتَ المساءِ في المكانِ الذي ظهرت فيه أمي مريمُ المرّة الأولى، وبينما كنتُ أتلو الورديّةَ بحسبِ عادتي، ظهرت لي أمّي بغتةً فرسمتُ على جبيني إشارةَ الصليب..." (زنبقة مقدسيّة ص48).  هكذا كانت ماري ألفونسين دوماً تُصلّي، متحّدةً بخالِقها على مثالِ سيّدها يسوع المسيح، خاصةً في كلِّ مرّةٍ أرادت أن تُباشر بعملٍ ما لتقوم بفعلِ مشيئته و ليتجلّى مجدُه من خلالِ هذا العمل.


V- "أريدُ أن تبدئي رهبانيّة الورديّة"
ها هي الأخت ماري ألفونسين أمام مشروعِ طلبِ العذراءِ مريم إليها في أن تؤسِّسَ رهبانيّة الورديّة، وها نحنُ نسمعُها تقولُ للفتيات: "يجب أن نُصلّي إلى أمِّنا البتول كي نعرفَ إرادة الله". أجل، الصلاة هي الطريقة الوحيدة للتأكُّدِ من إرادةَ الله وماذا يريدُ بالفعلِ منها، وإن كانت ماري ألفونسين تناجيه في حياتها اليوميّة، فكيف لن تحاورهُ في المهمّات الكُبرى؟ بالصلاةِ تخطّت كلَّ مراحلِ التأسيس الصعبة، وبالصلاة كانت تتلمَّسُ كلَّ شيءٍ بوضوح، فالصلاةُ بالنسبةِ إليها هي القوّةُ الوحيدةُ للسيرِ قُدُماً نحو تحقيقِ إرادةِ الله. وعليهِ يمكنُ القولُ إنَّهُ من رحمِ الصلاةِ وُلِدت رهبانيّةُ الورديّةِ، ومن علاقةِ ماري ألفونسين بالعذراء أبصرتِ الرهبانيّةُ النورَ على الرغمِ من وصفِ ماري ألفونسين لِنفسِها بأنّها "حقيرةٌ فقيرة". المفارقةُ الكُبرى تكمُنُ في أنَّ رهبانيّةَ الورديّة تأسَّست من دونِ علمِ أحدٍ بظهوراتِ مريم العذراء للأخت ماري ألفونسين باستثناء مرشِدِها الروحيِّ الأب يوسف طنّوس الذي كانَ وحدَهُ يعرفُ بِتلكَ الظهورات. لقد بقيت ماري ألفونسين متخفيةً، متواضعةً، بسيطةً وبعيدةً عن الأضواءِ. أوَليسَ هذا كلُّهُ من ثمارِ الصلاةِ؟
عندما كانت تقابلُ السيئةَ بالحسنةِ والكراهيّةَ بالحبِّ واللعنةَ بالبركةِ، أليست هذه من ثمار الصلاة القلبيّةِ الحقَّةِ ؟ أليسَ الصمتُ الذي تحلّت بِهِ دلالةً على قداسَتِها العميقةِ وتواضُعِها المُذهل؟ وحدَهُ مرشدُها الروحيّ الأب يوسف طنّوس سمع عن ظهورات أمّ الله لها وعاونها في تحقيق مشروعِ تأسيسِ الرهبانيّة في القدس.

نفهمُ من حياةِ ماري ألفونسين المؤسّسةِ والطوباويّةِ أنَّ نجاحَ المشاريعِ الإلهيّة يحتاجُ إلى الصلاة القلبيّةِ الصامتة، كما إلى التواضعِ والتضحيةِ. في تأسيس الأديارِ والرسالاتِ والمراكزِ، كان الأساسُ الأوّلُ الصلاةَ والتضحيةَ والخدمةَ: فماري ألفونسين كانت تصلّي وتطلبُ من الجميعِ أن يُصلّوا معها، حتّى غدت امرأةَ الصلاةِ والسُبحةِ الورديّةِ. إنّ بنتَ الورديّةِ في عُرفِ الأمِّ ألفونسين مدعوّةٌ إلى أن تجعلَ من السُبحةِ الورديَّةِ اليوميّةِ مدرسةً للحياةِ، بحيثُ تُصبحُ "يوميّات مريم" يوميّاتِها، وتكونُ حياتُها امتداداً لمريم في شتّى مرافقِ الحياةِ، وبحيثُ يكونُ وجهُها امتداداً لسائرِ ملامحِ مريمَ. جعلت الأمُّ ألفونسين من حياتِها الرهبانيّةِ فعلَ شكرانٍ للربِّ، "كونوا في كلِّ شيءٍ شاكرين: "هذهِ هي إرادةُ اللهِ فيكم في المسيحِ يسوع" (تس5/18). يبقى أن نؤكِّدَ أنَّ حياةَ الطوباويّةِ ماري ألفونسين كانت مرآةَ صلاتِها. ومقياسُ صلاتِها كانَ محبَّتَها للورديَّةِ. فصلاةُ الشكرِ والتسبيحِ والتشفّع والاستغفار كانت دوماً بمثابةِ الرافعةِ التي تحملُ معَها عبءَ المسؤوليَّةِ الكبيرةِ، أي حِملَ الرهبانيَّةِ وكانت تُقدِّمُهُ إلى الآبِ على يدِ الابن وبقوّةِ الروحِ القدس وبشفاعة مريم العذراء، كانت تفعلُ ذلِكَ على الرغم من معارضَةِ أخواتِها لها ومُضايقتِهنَّ إيّاها. بقوّةِ الصلاةِ التي كانت تُمارِسُها، ومِن خلالِ المريميّةِ التي تحلّت بها المؤسِّسةُ، أصبحت كلُّ أعمالها ومراكز الرهبانيّة قرباناً في مدرسة مريمَ سيّدةِ الورديّةِ.

لقد وصلت ماري ألفونسين إلى سلامِ القلبِ في الله، إنها درجة الكمال، صَهَرت كيانَها المصلّي عقلاً وقلباً وجسماً، وهي التي عرفت أن تدركَ مصلِّيةً ما يعنيه كلام الرب "إنَّ ملكوتَ اللهِ في داخلِكم" (لو17/21).


VI- الوصيّة الأخيرة
لم تنسَ ماري ألفونسين أنَّ العذراءَ أوعزت إليها يوماً بقولها: "أريد أن تُتلى في الدير الورديّةَ الدائمةَ نهاراً وليلاً".
بعد اعتزالِها حياة العمل والنشاط أصبحت الأم ماري ألفونسين أنموذجاً للحياةِ التأمليَّةِ. فلم تكن المسبحةُ تفارقُ يدَها.
لقد اختتمت حياتَها الأرضيةَ بالصلاةِ الى مريم: "صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعةِ موتِنا". ثمَّ أسلمت الروحَ وماتت كما عاشت ابنةً أمينةً لمريم العذراء.

وها هي الآن مكلّلةٌ بإكليلِ الغارِ بصحبةِ يسوع المسيح وبصحبةِ أمِّها السماويّةِ مريم العذراء، في حياةٍ أبديةٍ، مستحقّةً إكليل المجدِ الأبديّ.

خِتاماً، لا حياة رهبانيّة خارج حياة الصلاة. ما من ولادة لحياة جديدة في المسيح ما لم نبنِ علاقتَنا به وبأمّه مريم في كلِّ لحظةٍ من خلالِ الصلاةِ.

وبعدُ، فإنَّ الطوباويّةَ ماري ألفونسين، راهبة الصلاةِ والتواضعِ والتسامحِ تعلّمنا أن نكون مكرَّسين أمناء، رجالَ ونساءَ صلاةٍ بثقة الإيمانِ والرجاءِ والمحبّةِ.

معها ندخل في صلاةٍ نوعيّةٍ، صلاةٍ تنبعُ من القلب وتجدِّدُ الإنسانَ، وتولّدُ الفرحَ، وتزيلُ الحواجزَ بينه وبين ذاتِه وبين الآخرين ومع الخالق.

الطوباويّة ماري ألفونسين، هي نداءٌ حيٌّ للمكرّسين والمتزوّجين والشباب، تعلّمهم من خلالِ حياتِها البطوليّة أنَّ الصلاةَ حاجةُ المخلوقِ إلى الخالقِ، وعطشُ المحدودِ إلى اللا محدودِ، وعوزُ الناقصِ إلى الكاملِ.
 


مراجع

- "رسائل المؤسّس الخوري يوسف طنّوس يمّين إلى راهبات الورديّة" (1884-1892)
جمعتها ونسّقتها الأخت لودفيك بو طانيوس من راهبات الورديّة بيت مري – لبنان 2003.
- الأب بطرس ديفينو، " الأم ماري ألفونسين، زنبقة مقدسيّة"، القدس 1979.