Home

 

"وكانَت تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها" (لو 2/19).

 

 إذا كانت الحياة المكرّسة قد نشأت "في عمق سيرة السيّد المسيح وتعليمه" (الحياة المكرّسة، 1)، وإذا كانت الموهبة في هذه الحياة هي "نمط حياتي يتولّى مهمّة التعبير...عن ملمح من ملامح سرّ المسيح الواحد (الحياة المكرّسة، 32)، وإذا كانت كل عائلة رهبانيّة هي هِبَة تُعطى للكنيسة والعالم كي "تصبح ملامح يسوع المميزة –العفّة والفقر والطاعة- "مرئيّة" وسط العالم، بوجه مثالي ودائم (الحياة المكرّسة، 1)، فإنّ أمّ الكلمة (يو 2/1) هي أبلغ من من يخبرنا عنها وأفضل من يعكس منذ أنم تمّ الحبل بها بلا دنس، (جمالها)، بأسمى ما يكون الكمال (الجحياة المكرّسة، 28). من هنا نستشف حقيقة عظمة دعوة الأم ماري ألفونسين، التي من خلال ارتباطها، العميق والشفّاف والمطلق بالعذراء مريم، استطاعت وبمعونة الأب يوسف طنّوس يمّين، أن تكون الحشا الذي منه ولدت رهبانيّة الورديّة. في هذه الأسطر القليلة سنحاول أن نرى في مرآة حياة العذراء مريم فصول حياة الطوباويّة الأم ماري ألفونسين، التي بإلحاح السيدة العذراء، أمّها، ومرشدتها استطاعت، حيث لم يكن مستحيلاً أن تصنع المستحيل.

الأم ماري ألفونسين هي مثل أمّها مريم، من نفس الأرض ومن نفس الثقافة ومن نفس اللسان والقلم . هي مثلها أيضاً في علاقتها بالسماء: في الصمت انفتحت أبواب العلى، ورأت ما حيّرها، وجعلها تتعثّر في الجواب، ولكن في النهاية قالت: "ها أنا أمة للرب فليكن لي بحسب قلبك" (لو 1/38) . مريم قضت جزءً من طفولتها في الهيكل قبل أن تبدأ رسالتها الحقيقيّة "ستلدين ابناً فسمّيه يسوع، سَيكونُ عَظيماً وَابنَ العَلِيِّ يُدعى" (لو 1/31-32)، وهي قضت جزءً من شبابها في حمى "راهبات القدّيس يوسف" قبل أن تبدأ رسالتها الحقيقيّة بتأسيس راهبات الورديّة . في دعوة البتول مريم، اختار الآب القدّيس يوسف، ليساعدها بتحقيق مشروع الله عليها، وهي، اختار يسوع الأب يوسف طنّوس، ليساعدها بتحقيق إرادة الآب عليها . مريم، كانت علامة تناقض، إذ أنّها وجدت حبلى من الروح القدس قبل أن تتساكن مع يوسف خطّيبها (راجع متى 1/18)، وهي وجدت الكثير من المشككين بدعوتها قبل أن يتدخّل الله في أعماق بعض الأبرار الذين طلب إليهم أن يأخذوها على عاتقهم . مريم، وقبل أن يولد الصبي يسوع، حَمَلَته صرخة ابتهاج إلى أقاربها ("فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجاً في بَطْني") لو 1/44، وهي وقبل أن ترى ابنتها – رهبانيتها – النور حملت الأمل لكثير ممّن حولها فابتهجت أعماقهم بالسر الذي كانت تحمله في أحشائها . الآب جمع من حول الطفل يسوع الفقراء والمهمّشين ولكن أيضاً العلماء والمثقفين، كذلك هي، جمع من حولها نفوس "فقراء بالروح"، ونفوس أقوياء في العلم . ولكي لا يقتل هيرودس الطفل يسوع رحلت به أمّه وأبوه إلى مصر، أرض النداء والتحرير، ثمّ عادا به بعد زوال الخطر، وهي رحلت مع حامل سرّها إلى روما، أرض القرارات الصعبة، لكي تعود الطمأنينة إليهما وإلى من توسّموا بهما خيراً .

الأخت ماري ألفونسين والأب يوسف طنّوس والرهبانيّة التي نشأت بين أيديهما، يشبهون مريم ويوسف والطفل يسوع الذي قيل فيه "ابن العلي يدعى". نعم لقد أسرّت مريم وليس في الحلم إنّما في الرؤية للأخت ماري ألفونسين بأنّ ثمرة أحشائها –رهبانيّة الورديّة- ابنة العلي ستدعى "ولن يكون لملكها انقضاء" (لو1/33) .

الملاك قال لمريم في أوّل لقاء معها: "إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ" (لو 1/28)، ومريم قالت للأخت ماري ألفونسين افرحي لأنّ بناتكِ سيجوبون الأرض حاملين يسوع بقوّة الروح القدس، إلى بنات جنسهم، وإلى أولادهم، كما فعلتُ أنا بزيارتي أليصابات وثمرة أحشائها يوحنّا .

مريم فتّشت عن يسوع ثلاثة أيامٍ بلهفة وحرقة مع والده يوسف، وهي فتّشت، مع الأب يوسف طنّوس، المختار ليربّي الطفل –الرهبانيّة الناشئة-، بلهفة وحرقة، كي يجدان للمدعوات للعائلة الجديدة الراحة والفرح بقرب يسوع.
في عرس قانا الجليل طلبت مريم من الخدم أن يعملوا ما يقوله يسوع لهم والأخت ماري ألفونسين، في عرس تكرّسها وتكرّس بناتها، فعلت ما كانت تقوله لها مريم .

مريم قالت "ستطوبني جميع الأجيال لأنّ القدير صنع بيَ عجائب" لو 1/48-49، والأخت ماري ألفونسين طوبتها اليوم الأجيال لأنّ القدير من خلالها ومن خلال عائلتها الرهبانيّة يصنع العجائب .

مريم وهي واقفة أمام صليب ابنها يسوع، تسلّمت رسالتها الأخيرة، بأن تعتبر يوحنّا وكل من يمثّله يوحناً ابناً لها (راجع يو 19/25-27)، والأخت ماري ألفونسين أمام صليب حياتها –العيش في الخفاء- تسلّمت رسالة الأمومة الروحيّة لكل دعوة دعيت أو ستدعى إلى رهبانيّة الورديّة.

في مدرسة القدّيسة مريم (العليّة) (أعمال 1/14)، تحضّرت الكنيسة الأولى لاستقبال الروح القدس. في مدرسة الطوباويّة ماري ألفونسين، كيف نتحضّر اليوم لاستقبال الروح القدس، مانح المواهب وأهمّها شخص الرب يسوع المسيح؟

                                                                                                             بقلم الأب معين سابا
                                                                                                               المرسل اللبناني