الرئيسية

   

 

 

القديس يوسف

 
 

إن الله المحتجب في أزليته لم يره أحد قط. على أنه ليس بعيدا ولا غريباً عنّا: " إن الكلام بالقرب منك، في لسانك وفي جنانك" (رو 10: 8). وهو تعالى يستخدم الناس في تنفيذ مقاصده: فيكتب التاريخ بأيدي البشر، ويوحي كلمته على يد البشر، ويكِلُ إلى البشر أعظم المهمات.

ولما جاء ملء الزمن، ليحقق خلاص الإنسان، أرسل ابنه الوحيد مولوداً من امرأة، مولوداً في حكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة (غلاطية 4: 4-5). واختار بنعمته يوسف لأكبر مهمة وُكلت إلى رجل في التاريخ، إذ اختاره ليكون خطيبا لمريم العذراء ومربيا لمخلص العالم.

إن هذا الإختيار كان دونما شك، نعمة مجانية من لدن الله. ولئن كان يوسف من ذرية داود الملك، فإن الله لا ينظر، كما ينظر الإنسان إلى العينين، بل إلى القلب (املوك 16: 7). وقد وقع اختيار الرب على قلب يوسف البتول، كما قبلاً على قلب داود، لما امتاز به من خصال فريدة: القداسة، الإتضاع، الثقة في الله.

1- القداسة: إن قداسة يوسف يشهد لها الكتاب:" أما يوسف رجلها، فكان صديقا" (متى 1: 19). والصديق هو البار الخالي من أي انحراف، والممتليء من نعمة الله، والعامل بحسب شريعة الرب بلا لوم ولا عيب. والقداسة هي صورة الله في الإنسان.

2- الإتضاع: إن اتضاع يوسف يفوق كل وصف. فهو لا يفاخر بأصله، إنما يحترف مهنة النجارة... ولا يسعى إلى الإعتصام في المدن والقصور، بل يسكن الناصرة التي لا يخرج منها شيء صالح (يو1: 46)... وخلافاً لكل متعجرف يعمل بصمت عجيب، ويصون لسانه من كلام الكبر والسوء، ويشيد بمجد الله وحمده...

3- الثقة في الله: إن يوسف، مثل كل إنسان بار، يتكل على الله في كل أموره. عندما شكّ في حالة مريم، تألم بمرارة لكنّ ملاك الرب طمأنه في الحلم... وعندما حاول هيرودس قتل الصبي، تألم أكثر فأكثر لكن الملاك أوحى إليه أن يهرب إلى مصر... ثم عاد ليسكن الناصرة بايحاء أخر من ملاك الرب...
الأهم من هذا أن الرب وضع فيه ثقته! فأكرمته الكنيسة الجامعة... وتريزيا دافيلا كانت تقول: ما طلبت نعمة بشفاعة القديس يوسف إلا نلتها"... وهذا يعيد إلى أذهاننا كلام فرعون الذي سمّى يوسف بن يعقوب " مخلص العالم " وكان يقول لمن يصرخ إليه من أجل لقمة العيش: " اذهبوا إلى يوسف "
صلاة
تبارك الذي اختار يوسف الصديق حارسا ومربيا. قلبه طاهر وأفكاره نقية. تبارك العلي الذي اصطفاه وجعله مربيا لإبنه الوحيد، تبارك الذي أقامه رفيقا وشريكاً لمريم البتول في حماية ابن الله. إن صمتك يا يوسف، أبلغ من عظات الآباء، وبرّك مثال لنا في العمل الصامت الذي لا يرجو مكافأة إلا من الله. يا مربيا لإبن الله، ربّنا على حب الله.