Home

 

 

 القديس منصور دي بول

 
 

 

ولد منصور دي بول في قرية صغيرة بفرنسا سنة 1581 من أبوين فاضلين. كانت أمه قد ربته تربية مسيحية . كان أهله يعملون في زراعة الأرض ويرسلونه مراراً يحرس الماشية.

منذ صغره كان منصور يجد نفسه سعيدا بإسعاد الفقراء والمحتاجين فكان دوما يساعدهم ويحسن اليهم.
فانتظم في سلك الرهبنة وارتقى الى درجة الكهنوت ثم سافر الى بلاد عديدة بعيدة، وحيثما كان يحل أظهر ان أروع ما في نعمة الحياة هي القدرة على مصارعة الالم والصبر النابع من الايمان.

عاد منصور الى فرنسا وتوجه الى بارس حيث كرس كل شيء في سبيل عمل الخير والمحبة فشيّد المستشفيات للمرضى وفتح الملاجئ للعجزة، وأخذ يجمع من شوارع باريس الاطفال البؤساء المهملين ويعتنى بتربيتهم اعتناء الأم الحنون.
كان منصور ينطلق كلما سنحت له فرصة ليعود الضعفاء في محلاتهم ويعزيهم و يخفف من الامهم. كان يزور المساجين في سجونهم ويتحدث إليهم ويرشدهم الى طريق المستقيم.

ومن اطرف ما يحكى عن منصور دي بول أنه زار مرة سجينا كان محكوما بالاشغال الشاقة لمدة طويلة. فوقع عند قدميه واستنجد به بأن ينقذه من سجنه ليعود الى زوجته وأولاده.

فحنّ قلبه عليه وترجى السجان بأن يسجنه مكانه بعد أن يصفد يديه ورجليه بالاغلال بدلا منه. فاستجاب السجان إلى طلبه وأطلق له المجرم وسجنه مكانه كما طلب.

وفي صباح اليوم التالي وصل خبره الى الملك الذي كان يقدره ويستشيره فتبسم وأطلق سراحه.
كان منصور يعتني أيضا بتقديس الاكليروس ومساعدته. فأنشأ رهبنة " الاباء اللعازاريين" ورهبنة "راهبات المحبة" الشهيرات ملائكة الرحمة الحقيقيات اللواتي قد انتشرن في أنحاء العالم يُدرن المستشفيات والمياتم وملاجيء العجزة وغيرها بايمان وتضحية.

ومن كل حدب وصوب كانت المساعدات تنهال على هذا الراهب الفقير بطل الاحسان والمحبة. والملايين التي كانت تتساقط في كفيه كان يصرفها بسخاء وحب على الفقراء والمستورين والمتضررين.

وفي مدينة باريس وفي اليوم السابع والعشرين من ايلول سنة 1660 انتقل مار منصور الى جوار ربه  في عالم الخلود.
 
تفضيل خدمة الفقراء على كل شيء

يجب ألا ننظر إلى الفقراء بحسب مظهرهم الخارجي ولا بحسب ما يتصفون به من المواهب العقلية. فقد يبدو المظهر أحياناً غليظاً والذهن غير مهذب. أما إذا نظرتم إليهم في ضوء الايمان فإنكم ترون فيهم أبناء الله الذي اختار هو نفسه أن يكون فقيرا . ولما تألم فقَدَ هيئة البشر، وعُدَّ أحمق في نظر الأمم وحجرَ عثرةٍ في نظرِ اليهود.وقد جاء مبشِّراً للفقراء" أرسلني لأبشر الفقراء" ( لوقا 18:4). يجب أن نُدرك ذلك وأن نقتدي بما صنع المسيح أي أن نعتني بالمساكين ، فنعزيهم ونساعدهم ونحيطهم بالرعاية اللازمة.

أراد المسيح ان يُولد فقيرا، واتّخذ له تلاميذ فقراء وصار هو خادماً للفقراء بل وقد جعل من نفسه مشاركاً في طبيعتهم فقال إنَّ ما يُصنَعُ من خيرٍ أو شرٍّ للفقراء فهو مِثلُ قرضٍ يُعطى له. إن الله يحبُّ الفقراء ويحبُّ من يحبهم. إذا كان لأحد ما شخص عزيز عليه فهو يشمل بمحبته كلَّ من يرتبط به بروابط الصداقة او الخدمة. ولهذا نحن أيضاً نرجو بنعمة الفقراء أن نكون أحبّاء الله. إذا زرناهم فلنبذلْ وُسعنا لفهمهم، والإحساس معهم فنُدرِكَ معنى قولِ الرسول: "صرتُ للناس كلِّهم كلَّ شيء"(1 قورنتس 22:9) .يجبُ أن نبذل وسعنا لكي نشعرَ مع القريب فنشعر بهمومه وشدائده. لنسال الله أن يفيض فينا مشاعر الرحمة والشفقة فيملأ بها قلبنا ويحفظها فينا.يجب أن تُفضَّل خدمة الفقراء على كلِّ شيء ويجب أن نقوم بها من غير تأخير او تأجيل . فإذا اضطُرِرْتَ في وقت الصلاة، أن تحمل علاجاً أو تقدِّم مساعدةً ما لفقير، افعل ذلك بنفس مطمئنة، بل ويجب أن تفعل ذلك، فأنت تقدِّمُ لله قرباناً وكأنك مواظبٌ على الصلاة . لا يقلقْ ضميرُكم إذا تركتم الصلاة من أجل خدمة فقير. إذا ابتعدتم عن الله من أجل الله فأنتم لا تبتعدون عن الله، وإذا تركتم عمل الله من أجل عمل شبيهٍ به فأنتم لا تبتعدون عن الله.

اذا تركتم الصلاة لتكونوا إلى جانب الفقير فاعلموا أن عملكم هذا هو بمثابة قرض تُعطُونه لله  المحبةُ فوق كلِّ القوانين، وإليها يجب أن يُوجَّه الكل. وبما أنها السيدةُ الأولى فهي التي تأمرُ بما يجب أن يُعمَل . لنخدم الفقراء بنفسٍ وبمشاعرٍ متجددة، ولنبحث عن المتروكين وعن أشدِّهم فقراً، فهم أسيادُنا وشفاؤنا وهم هبةُ الله لنا.

من كتابات القديس منصور دي بول الكاهن