English

سجل الزوار

 اضفنا للمفضلة

اتصلوا بنا

الرئيسية

يقول الرب " توبوا إليَ بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والندب، مزقوا قلوبكم لا ثيابكم" فتوبوا إلى الرب. الرب حنون رحيم، بطيء عن الغضب، كثير الرحمة، نادم على السوء" يوئيل 2: 12-13

 

لماذا كان ضروريًا أن يتألم المسيح؟

 
 
     
 

 

المسيح لم يأت ليزيد الألم أو ليجعله مقبولاً بل ليملأه بمعنى جديد ولكي ينتصر عليه

الصليب حدث كَوْنِيّ وشخصي جدًا في آن

تحدث الراهب الكبوشي عن "معنى الصليب الكوني" منطلقًا من آيات طبعت ذاكرة التاريخ مثل: "اليهود يطلبون المعجزات، واليونانيون يطلبون الحكمة، أما نحن فنبشر بيسوع المصلوب شكًا لليهود وحماقة للأمم؛ ولكن للمدعويين، إن من اليهود وإن من اليونانيين، نبشر بالمسيح قوة الله وحكمة الله" (1 كور 1، 22 – 24)، والآية التي تذكر بأن موت المسيح هو موت يخص الجميع: "لقد مات واحد من أجل الجميع، ولذا فالجميع قد ماتوا" (2 كور 5، 14). وبالتالي فبنظر بولس، موت المسيح هو أم يتعلق بحياة كل رجل وامرأة ويهب معنى لكل حياة.

هذا وإن صليب المسيح قد حطم "سور العداوة" الذي كان يفصل البشر. وإنطلاقًا من هذه الأفكار سيطور التقليد الأولي مفهوم "الصليب الشجرة الكونية" الذي بذراعه العامودي يوحد السماء والأرض وبذراعه الأفقي يصالح الشعوب المختلفة في ما بينها.

ولكن في الوقت عينه، بالنسبة لبولس، حدث الصليب هو حدث شخصي جدًا: "لقد أحبني وبذل ذاته لأجلي!" (غلا 2، 20). فكل إنسان هو شخص "مات المسيح لأجله" (روم 14، 15).

من هذا المنطلق نعي أن الصليب لم يعد "قصاصًا، تأنيبًا أو موضوع كآبة، بل مجد وفخر للمسيحي، أي ثقة فرحة مرفقة بعرفان متأثر، يتوصل إليه الإنسان بالإيمان: "بالنسبة لي، أنا لا أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلا 6، 14).

هذا وذكر واعظ الدار الرسولية أن الحديث عن الصليب لم يكن بالأمر السهل في أيام بولس الرسول، لأن الصليب كان مرادف العار واللعنة، وأمرًا لا يمكن الحديث عنه في محفل المثقفين. والغاية من السنة البولسية ليست التعمق بفكر بولس – فهذا أمر يفعله الأخصائيون دومًا – بل "التعلم من بولس كيفية الإجابة على تحديات الإيمان الحالية".

وذكر بأن إحدى هذه التحديات هي الدعاية التي جابت طرقات لندن وبعض المدن الأوروبية: "ربما الله غير موجود، لذا توقف عن القلق وتمتع بالحياة" (There’s probably no God. Now stop worrying and enjoy your life).

إن الرسالة التي يوجهها النص هو أن الإيمان بالله يحظر التمتع بالحياة، هو "عدو الفرح". ومن دون الله سيكون العالم أكثر فرحًا.


ولكن لِمَ "كان ضروريًا أن يتألم المسيح ليدخل في مجده"؟

يقدم لنا بولس جوابًا قويًا على هذا السؤال. "الضرورة" ليس في إطار الطبيعة بل هي فائقة الطبيعة. أوضح الأب كانتالامسا أن في الدول ذات التقليد المسيحي القديم يتم ربط ألم الصليب بفكرة التكفير، بحيث يتم اعتبار الألم كأمر ضروري للتكفير عن الزلات ولإشباع عدالة الله. هذا الأمر أدى في العصر الحديث إلى رفض فكرة التقدمة المقدمة إلى الله، وإلى رفض الله بالذات.

إلا أن التعمق بفكر بولس يجعلنا نتخطى هذه الفكرة الأولية الخاطئة. فبولس يكتب أن الله أراد أن يكون المسيح "أداة تكفير" (روم 3، 25) ولكن هذا التكفير لا يتوجه إلى الله لتهدئة غضبه، بل إلى الخطيئة لكي يزيلها.

يقول اللاهوتي دان: "يمكننا أن نقول أن الله بالذات، لا الإنسان، هو الذي يكفّر الخطيئة... الصورة هي أكثر صورة إزالة وصمة مدمرة أو إزلة فيروس قاتل، أكثر منه صورة غضب يهدئه العقاب".

فالمسيح أعطى فكرة التضحية بعدًا جديدًا بالكلية: "ليس الإنسان هو الذي يؤثر على الله لكي يهدئه، بل الله هو الذي يعمل لكي يتوقف الإنسان عن عداوته ضد الله وضد القريب".

"لا يبدأ الخلاص بطلب مصالحة من قبل الإنسان، بل إنطلاقًا من طلب الله: ‘تصالحوا مع الله‘" (1 كور 2، 6+).

ليس الله، بل الخطيئة هي عدوة سعادة الإنسان

بالنسبة لبولس، الخطيئة، التي هي رفض الله، هي السبب الأول لاضمحلال الفرح لا الله. فالخطيئة تجعل الإنسان سجين "الكذب" و "الظلم"، وتحكم على الكون بالذات أن يكون هباءً وخرابًا وفسادًا (راجع روم 1، 18+؛ 3، 23؛ 8، 19+) وهي السبب الأول للشرور التي تصيب البشرية.

وتطرق كانتالامسا إلى الأزمة الاقتصادية متسائلاً عما إذا كان أحد يجرؤ في تحليل الأزمة أن يتحدث عن الخطيئة، عن تراكض نخبة الاقتصاديين في العالم بشكل جنوني إلى الربح دون التفكير بسائر البشرية التي بقيت دون تقدم. وذكر في هذا الإطار أن "الجشع" هو بالنسبة للقديس بولس "عبادة أوثان" (كول 3، 5) بحيث أن "حب المال هو أصل كل الشرور" (1 تيم 6، 10).

 

آلام المسيح تملأ الألم بالمعنى

"بموته، لم يدن المسيح الخطيئة ويتغلب عليها وحسب، بل أعطى معنى جديدًا للألم، حتى ذلك الألم الذي لا يعتمد على خطيئة أحد، مثل ألم ضحايا كثيرة في زلزال منطقة أبروتزو".

لقد جعل المسيح من الألم "دربًا إلى القيامة والحياة". هذا وإن المعنى الجديد الذي قدمه المسيح للألم لا يظهر في موته بقدر ما يظهر في تخطي الموت، أي في القيامة. "لقد مات لأجل خطايانا وقام لأجل تبريرنا" (روم 4، 25): الحدثان لا ينفصلان في فكر بولس والكنيسة.

إن الخبرة البشرية الكونية تبين أن الفرح والحزن، اللذة والألم يتبعان الأحد الأخر مثل مد البحر وجزره. والمسيح في آلامه بدل العلاقة بين اللذة والألم. فبدل "الفرح الذي كان معروضًا أمامه، خضع للصليب" (عبر 12، 2). لم تعد المسألة مسألة لذة تنتهي بالألم، بل ألم يحمل إلى الحياة والفرح. الكلمة الأخيرة الآن هي للفرح، فرح يدوم إلى الأبد. "المسيح القائم من الموت لن يموت أبدًا؛ لم يعد للموت سلطان عليه" (روم 6، 9). ولكن يكون للموت سلطان علينا.


لذا فالمسيح لم يأت ليبشر بزيادة الألم البشري أو بالتسليم له؛ لقد أتى ليملأ الألم بالمعنى، ولكي يعلن نهايته وتخطيه.

فالإعلان الذي جاب شوارع لندن، يقرأه أهل ولدهم مصاب بمرض عضال، يقرأه أشخاص يعيشون وحدهم في وحشة خانقة، يقرأه من فقد عمله، يقرأه من نجا من أهوال الحروب... ونتساءل: "ربما الله ليس موجودًا، لذا تلذذ بالعيش"، ولكن بما أتلذذ؟؟

الألم يبقى سرًا غامضًا للجميع، وخصوصًا ألم الأبرياء، ولكن دون الإيمان بالله يضحي هذا السر أكثر فراغًا. "الإلحاد هو رفاهية يستطيع أن يتمتع به فقط من يملك كل شيء في الحياة، بما في ذلك إمكانية الدرس والبحث".

ربما الله موجود!

وإذا كان الإعلان يقول: "ربما الله غير موجود"، هذا يعني أن "ربما الله موجود"! "ولكن يا أخي غير المؤمن، إذا لم يكن الله موجودًا فأنا ما خسرت شيئًا؛ أما إذا كان موجودًا فأنت خسرت كل شيء!"