سجل الزوار

 اضفنا للمفضلة

اتصلوا بنا

الرئيسية

 

سير قديسين

 

 

 

حياة القديس جابريل لسيدة الآلام، شفيع الشباب

 

 

عيده 27 فبراير

وُلِد “فرانشيسكو پوسّنتي” (جابريل فيما بعد) في 1 مارس 1838م، في أسيزي بإيطاليا.
كان ترتيبه الحادي عشر بين ثلاثة عشر أخاً وأختاً. لأبيه “سانتي” الموظف بالحُكم المحلي و أمه “أجنيس”.
نال امعمودية يوم ميلاده بإسم “فرانشيسكو” تيمُناً بكونه أسيزي مثل القديس فرنسيس الأسيزي.
إنتقل والد فرانشيسكو بعد وقت قصير للعمل في “مونتالتو” ثم إلى “سبوليتو” حيث أصبح مُثَمِّن قضائي عام 1841م.
في “سبوليتو” عانت الأسرة من ظروف محزنة عديدة: في ديسمبر نفس عام الإنتقال إلى “سبوليتو” توفيت الإبنة الرضيعة “روزا”، ثم توفيت الإبنة “أديلا” ذات السبعة أعوام في يناير 1842م، ثم توفيت الأم “أجنيس” في نفس العام 1842م. وقتها كان فرانشيسكو في الرابعة من عمره.

في طفولته كان فرانشيسكو طفلاً صعب المِراس حيث كان شديد العصبية لفقدانه أمه في سن صغير، لكنه في المراهقة أصبح محل محبة وتقدير معارفه وجيرانه، لأنه كان مُهتماً بأعمال الرحمة الروحية والجسدية، كما تعلَّم من الإنجيل، فأصبحا المحبة والعطاء يغلبان على الطابع العصبي.
كما اشتُهِر بأناقته واعتدال مظهره، لكن بقيَ من مفاعيل المُراهقة أنه كان مشغولاً بحضور حفلات المجتمع الراقي في “سبوليتو” وسرعان ما أصبح أفضل من يجيد الإتيكيت ومراقصة الفتيات.

إرتبط عاطفياً بإحدى فتيات المدينة واعتزم خطبتها، لكن تصادف في نفس الفترة أن يزور ديراً لإخوة يسوع، وكان للزيارة أثراً في تحريك دعوة مُغايرة لدعوة الزواج، فبدأ يتكوَّن روحياً وتعليمياً في ديرهم، ثم انتقل ليقضي بعض الوقت في التكوين الدين العلمي لدى جامعة الأباء اليسوعيين في “سبوليتو” وقد أظهر إهتماماً وبراعة ملحوظة في الدراسة والتأمل، كما أتقن اللغة اللاتينية. وفي نفس الوقت تكونت رؤية واضحة لدى فرانشيسكو بأن دعوته هي في تكريس حياته لله من أجل الرسالة، ولكنه لم يتخذ قراراً بذلك.

عام 1851م مَرِضَ فرانشيسكو، ولكنه تمسَّك بالأمل بأنه إن كُتِبَ له الشفاء فسيذهب فوراً ليترهَّب، ثم نسىَ وعده. وتكرَّر الأمر عندما نجى من رصاصة طائشة كادت تصيبه أثناء رحلة صيد مع أقرانه. ثم عادت تُخَيِّم الأحداث المُحزنة على الأسرة مرّة أخرى، فقد توفي شقيقه “باولو”، وانتحر شقيق آخر هو “لورنزو” في عام 1853م. وعاود المرض جسد فرانشيسكو تأثراً بوفاة شقيقيه، وكانت محنة المرض أشدّ من سابقتها. حينها قرَّر أن يقدِّم النذر الرهباني حال شفائه، وبالفعل أتمّ ذلك.

تقدَّم بداية للإلتحاق بالرهبنة اليسوعية، ولأسباب غير معلومة لم يتم قبوله. فكانت صدمة شديدة رافقتها صدمة وفاة شقيقته الكبرى “ماريا لوسيا” بالكوليرا وهي التي كانت الأقرب إلى قلبه لأنها إعتنت به بعد وفاة والدته.

الـــدعــــوة:
الأخ “أولوسيوس” الراهب الدومنيكاني وشقيق فرانشيسكو، قام بإرشاده للتقدُّم لرهبنة آلام المسيح “Passionists” في مدينة “مورّوﭬـالي”. لم تكن هذه الخطوة تروق والد فرانشيسكو الذي استعان بكثير من الأقارب لكي يقنعوا فرانشيسكو بالعدول عن فكرة الترهُّب. إلا أن محاولاتهم لم تنجح. دخل فرانشيسكو مرحلة الإبتداء كطالب رهبنة في 19 سبتمبر 1856م. بعدها بيومين تسلَّم زيّ رهبنة آلام المسيح، تحت اسم الأخ “جابريل للعذراء سيدة الآلام” وقد جعل موضع تأمله وتكريسه في العذراء سيدة الآلام (الأحزان) لأنه كان دائماً يرى فيها الأم التي تُشاركه كل الأحزان التي ألمت به في محيط أسرته، بداية من اليُتم في سن مبكر ومروراً بوفاة بعض أشقاءه. وفي العام التالي أعلن جابريل نذوره للرهبنة. وكان مُرشده الروحي هو الأب “نوربرت للقديسة مريم”.

عام 1858 م إنتقل “جابريل” مع بعض زملائه طلبة الرهبنة إلى مدينة “بيـﭬـيتورينا” لإستكمال الدراسة لمدة عام، ثم إضطروا بسبب إضطرابات حدثت هناك أن ينتقلوا إلى دير “ايزولا ديل جران ساسو” ببلدية “تيرامو”.

إمتاز الأخ “جابريل” بتفوقه الأكاديمي بالتلازُم مع إرتفاع قامته الروحية بالصلوات والأصوام والتأمل بالكتاب المقدس. وفي الوقت نفسه بدأت تظهر عليه أعراض مرض السُلّ.
لم يكن خبر مرضه بالسُلّ مُحزِناً له، بل كان في الحقيقة مُفرِحاً! لأنه قرَّر أن يتوحد بآلام كل المرضى، ويدخل مدرسة الألم بشجاعة، بل إنه صلّىَ أن يموت ببطئ كي يزداد تقدُّساً بالألم.

كان دخوله في الألم غريباً، فبدل من أن تعود إليه طباعه العصبية التي عاش بها في طفولته، بدىَ أكثر صبراً وابتساماً، وحافظ على واجباته الرهبانية كاملة، برغم أنه كان معفياً من بعضها بحُكم المرض ورأي الأطباء. وعندما سائت الته ورقد على فراش الموت دون أن يستطيع القيام بواجباته، صار هو مصدر إلهام لإخوته بالدير، وكانوا يقضوا كل أوقات راحتهم معه ليكتسبوا حماساً و بسالة منه. قُبَيل وفاته طلب إراق مذكراته الروحية، حتى لا تكون مجال إكرام له بعد وفاته، لأنه كان يرى نفسه غير مُستحِقّ. فقط بقيت مخطوطات مراسلاته، ودراسته.

أثناء الخلوة الروحية بالدير التي تسبق نَيل سرّ الكهنوت، توفيَ جابريل بين إخوته بعطر القداسة وهو يحمل الصليب وصورة العذراء سيدة الآلام، مُبتسماً بسلام، في 27 فبراير 1862م قبل أن يُكمل عامه الرابع والعشرين بأيام.
شهود واقعة وفاته، قالوا أنه جلس في سريره بعد أن كان راقداً لا يقوى على النهوض، وكان ينظر إلى نور أشرق في غرفته وارتسم بشكل كيان، لم يميز الإخوة هيئة ذلك الكيان النوراني، لكنه كان السيدة العذراء على الأرجح.
يقول أحد الحاضرين وهو الأخ “برناردو ماريا ليسوع” أنه كان يشعر بالخجل من كونه لم يصل إلى هذه القامة الروحية التي وصل إليها جابريل برغم كونه قد دخل الإبتداء في نفس اليوم معه.

المصدر الرئيسي لقصة هذا الراهب الشاب القديس، كان ما دونه عنه مرشده الروحي الأب “نوربرت للقديسة مريم”.

تم دفن الأخ جابريل في دير”ايزولا ديل جران ساسو” ببلدية “تيرامو”. في عام 1866م تم إجبار الرهبان على إخلاء هذا الدير، ولت الكنيسة التي دُفِنَ جابريل تحت أحد مذابحها مهجورة لمدة 30 عام. على مستوى شعبي – غير رسمي – إشتهرت سيرة قداسة الأخ جابريل في “تيرامو” وكان الناس يستشفعون به قبل أي إجراء لفت دعوى تطويبه. ولّوا يتوافدون على كنيسة الدير المهجورة يطلبون شفاعته، وكثيراً ما نالوا بها نعماً كانوا في حاجة إليها.
جائت لجنة من الإخوة رهبان آلالام المسيح ليعاينوا رفات القديس ويكتبون تقريراً عن حالتها، يرفقونه بطلب فتح دعوى تطويبه، فتجمهر الناس ظَنّاً منهم أنهم سيقومون بنقل الرفات من الكنيسة وناشدوهم ألا يفعلوا ذلك.
ثم بعد عامين عاد الرهبان بقرار حكومي إلى دير “ايزولا ديل جران ساسو” ليمارسوا حياتهم الرهبانية به.
معجزتي شفاء موثقتين من بين كَمّ معجزات لم يتمكن أصحابها من إيجاد أدلة عليها، كانتا سبباً في تطويب الأخ جابريل: هما شفاء السيدة “ماريا مازيريلاّ” من السُلّ الرئوي والإلتهاب الأنسجة المُغَلِّفة للعظم. وشفاء لحظي لشخص يُدعى “دومنيك” من الفتق.

كما كان معروفاً من سيرة حياة القديسة “ﭼـيما جالجاني” أنها نالت الشفاء بشفاعته وهو من قادها روحياً للترهُّب برهبنة آلام المسيح للبنات، كما تصادف أنها توفيت بعطر القداسة في نفس عمره.
يُعتبر مزاره في دير “ايزولا ديل جران ساسو” هو أحد أماكن الحجّ الروحي الشهيرة بإيطاليا، التي يتوافد عليه الملايين سنوياً.

تم تطويب الأخ جابريل لسيدة الآلام عن يد البابا بيوس العاشر عام 1908م وقد حضر التطويب مرشده الروحي وبعض الإخوة الذين عاصروه في دير الإبتداء. وتم إعلان قداسته عن يد البابا بندكتس الخامس عشر عام 1920م، ودعاه شفيعاً للشباب الكاثوليكي. وشفيع طلبة الإكليركيات.

شهادة حياته وبركة شفاعته فلتكن معنا. آمين.
 

 

حياة القديسة تريزا الطفل يسوع

 

 

ولدت القديسة تيريزيا الطفل يسوع، في بلدة إلنسون سنة 1873، من أسرة مسيحية هي التاسعة بين أبنائها، وحين بلغت الخامسة عشرة من عمرها، انتسبت إلى دير سيدة الكرمل في ليزيو، حيث كانت قد سبقتها إليه ثلاثة من أخواتها.
توفيت في 30 أيلول سنة 1897، شغوفة بحب يسوع، مبتلاة بداء السل الرئوي.

في مستهل حياتها، كانت تعتبر بحماس بأن سبيل القداسة يستوجب “قهر الذات”، إلا أنها حين بلغت الثانية والعشرين من عمرها، بدَّلت من تفكيرها وأيقنت بأن القداسة ترتكز على إتقان ممارسة الأعمال اليومية الوضيعة التي يوجبها علينا واقع حياتنا الراهنة.

عاشت بطولة “طريق البساطة الروحية”، فارتقت في غضون سنوات قليلة إلى قمم مدهشة من الإيمان والرجاء. وفي غياهب الظلمات التي اجتازتها، عرفت كيف تظل أمينة ليسوع، بالرغم من المحن الروحية والأدبية والصحية، وثابرت عل الامتثال لتوجيهات أخواتها الراهبات، فيما يتعلَّق بالمتطلبات الرسولية للكنيسة.

هذا هو “طريق البساطة” إلى القداسة المرتجاة، أعادتها إلى الأذهان تيريزيا الطفل يسوع فَتَكنَّتْ بحق “تيريزيا الصغيرة”.

لقد كان شعارها الدائم قول الربّ يسوع:
“إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات” (متى18/3 ).

فعاشت الطفولة الروحية وشهدت لها، لذلك كانت تقول:
“سوف أبقى أبداً طفلةً ابنة سنتين أمامه تعالى كي يضاعف اهتمامه بي .. فالطفل يرتضي بصغره وضعفه ويقبل أن يكون بحاجة إلى المعونة ..سأتوكَّل على الله أبي في كلِّ شيء وأطلب إليه كلَّ شيء وأرجو منه كلَّ شيء.
سأترك له الماضي مع ما فيه من المتاعب والمآثم ليغفرها.. وسأقبل الحاضر والمستقبل منه مسبقاً كما تشاء يده الحنون أن تنسجها لي.. إنَّ كلَّ شيء يؤول في النهاية إلى خلاصي وسعادتي ومجده تعالى.. الله يعلم كلَّ شيء، وهو قادرٌ على كلِّ شيء.. ويُحبني.. سوف أبقى أبداً طفلةً أمامه وأحاول دوماً أن أرتفع إليه بالرغم من ضعفي ووهني.. الطفل الصغير يستطيع المرور بكلِّ مكان لصغره.. كم أتوق إلى السماء، حيث نحبُّ يسوع دون تحفظ أو حدود.. في قلب يسوع سأكون دوماً سعيدة.. الشيء الوحيد الذي أرغب في أن تطلبه نفسي هو نعمة حبِّ يسوع وأن أجعل، قدر إمكاني، كلَّ إنسان يحبه.. إن أصغر لحظة حب خالص، لأكثر فائدة لها، من جميع ما عداها من نشاطات مجتمعة..”

إن ما يميِّز دعوة تيريزيا إلى القداسة هو رغبتها السريعة في تحقيقها، رغم إدراكها لحقيقة الضعف المتأصلة في الإنسان، تقول: “لابدَّ لي من أن أقبل واقعي كما هو، بكلِّ ما فيه من نواقص. إني أريد أن أذهب إلى السماء، سالكةً طريقاً مستقيمة وقصيرة المدى، طريقاً صغيرة وجديدة. فنحن في عصر الاختراعات، ولم يَعُد ضرورياً أن نتسلَّق الدَرَج درجة درجة.. هناك المِصعَد!.. أنا أريد أن أجد مصعداً يرفعني إلى يسوع، فأنا أصغر من أن أتسلَّق سلّم الكمال، وهي سلّم شاقة”.
ولكن، ما هو المِصعَد في نظر صغيرتنا القديسة؟!.. الطبيعة؟.. أم الكتب المقدَّسة؟.. أم كلاهما معاً؟..

لقد وجدت تيريزيا في تأملها الكتب المقدسة “ما كانت تسعى إليه”. فكانت تعتبر أن كلمة الله هي دائماً واقعية، بشكل أن تكون موّجهة إلينا مباشرة، وشخصيّاً، ولقد كانت باستمرار “موضوع أشواقها”. ولَكَم كانت الطبيعة أيضاً مصدر إطلالة حبِّ الله عليها، حتى أكثرت من الاستعارات والتشابيه المستمّدة من الطبيعة كالورود والطيور والشمس والعاصفة والمطر والضباب.

لم تتردَّد تيريزيا مطلقاً أن تظهر في سيرتها نقائصها التي كان يسوع ساهراً على تجاوزها، لذلك “لا تجد صعوبةً في النهوض عندما تكبو”، على حدِّ قولها. فحين يكتشف الإنسان ضعفه، تقول تيريزيا: “يتحمَّل نقائص الغير، ولا تصدمه مواطن الضعف فيه”. فلا يكفي أن نقول أننا نحبُّ الآخرين، “بل علينا أن نقيم الدليل على هذا الحب”.

لم تتأخر تيريزيا في إظهار عفويتها، ومواقفها المرحة، كأن تذكر مثلاً أن أمها كانت تنعتها بالـ”عفريته”.. وأنها حين كانت تمازح أباها تتمنى له أن يموت لكي يذهب إلى السماء. وعندما تهددها الوالدة بأنها ستذهب إلى جهنم حين لا تكون “عاقلة”، تردُّ عليها أنها سوف تتعلّق بها لتذهب معها إلى السماء، “إذ كيف يمكن للرب، تقول تيريزيا لها، أن يُبعدني؟ ألا تضميني إلى ذراعيكِ بشدة”. كأنها كانت على قناعة أن الله “لن يستطيع حيالها شيئاً” طالما هي بين ذراعي الأم! التي هي بدورها، تصف صغيرتها، أنها، رغم صراحتها وشفافيتها و”قلبها الذهبي”، “طائشة”، “عنادها لا يقهر.. عندما تقول “لا”، لا يمكن لأي شيءٍ أن يُزعزعها”.
وتحتار الأم حول مستقبلها وتتساءل عنها “ماذا ستكون”؟.. ليتكِ علمتِ أيتها الأم الفاضلة التي قدَّمَتْ للكرمل أربع زهرات من بناتها، أن الصغيرة منهن ستكون قديسة!!

سنة 1886 ، بلغت تيريزيا الرابعة عشرة من عمرها وعلمت، من الصحف، الحكم بالإعدام على المجرم برانزيني، الذي كان يرفض رفضاً باتاً أن يلتقي الكاهن، قبل تنفيذ الحكم عليه، فدأبت تيريزيا، بكلِّ ضراعة على الصلاة ليلَ نهار، لتلتمس خلاص نفس هذا المجرم. وفي أول أيلول عَلِمتْ من صحيفة “لاكروا” La Croix بأن هذا المجرم، قبل أن يُنفَّذ حكم الإعدام به ، أخذ الصليب من يد الكاهن وقبَّله، وتبيَّنَتْ بذلك إشارةً من الله الذي لا يُخيِّب ملتمس من يعتمد عليه تعالى، كما ترسَّختْ في نفسها الدعوة إلى تكريس الذات للتفرغ والصلاة، التي أحست بها ليلة عيد الميلاد سنة 1886.

لقد فهَّم جيداً البابا بيوس الحادي عشر أهمية طريق تيريزيا الطفل يسوع المبسطة إلى القداسة، فأعلنها منذ عام 1925 قديسة، ثم جعلها شفيعة للمرسلين في العالم. وفي اليوبيل المئوي لوفاتها سنة 1997 وضعها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في مصف معلمي المسكونة بإعلانها “معلمة الكنيسة الجامعة” رافعاً إياها إلى مرتبة أعاظم القديسين، هي التي كانت تعتز بصغرها وضِعة شأنها.

هذه القديسة الصغيرة، الكبيرة، التي تزين أيقونتها المقدّسة عدداً وافراً من كنائسنا، تستقطب في أيامنا جماعات المؤمنين، يلتمسون شفاعتها في الحالات اليائسة المستعصية، الشفاء من الأمراض الخطيرة التي استعصت على الطب، عودة الخطأة المدمنين إلى التوبة، تهدئة أذهان أناس معرضين للشك واليأس، حماية المسيحيين المضطهدين الذين تحيط بهم الأخطار، راحة لأنفس الذين رقدوا محرومين من إسعافات الكنيسة. فالنعم التي ننالها بشفاعتها كثيرة لا عدَّ لها ومثبتة. فلنبادر إليها نحن أيضاً بطلباتنا وهي تعرف كيف تشفع لنا لدى الرب الذي أخلصت له في كلِّ شيء وفي كلَّ لحظة من حياتها.
 

 

حيـاة القديسة ريتا

 

 

في قريـة روكّا بورينا- Rocca Porena بالقرب من “كاسيا” وفـى منطقة جبال Apennines بإيطاليا عاش والدا القديسة ريتا (انطوان لوتـي وإيـميه فيـري) في تقوى وممارسة أعمال الخيـر ولم يكن لهما ذريـّة.

وفيما كانت والدتها مستغرقة فى صلاة حارة ظهر لها أحد الـملائكة وبشّرها بإبنة سوف يـمنحها الرب الكثير من النعم السماويـة يوم أن تُـمنح سر العماد بإسم “ريتا”.

ولقد تم ذلك، ففي شهر مايو من عام 1381م ولدت ريتا وفى يوم العماد -الذى تم بكنيسة القديسة مريم بالقريـة -أشرق وجه الطفلة بنور سماوي ساطع فلم يعد عند أحد من الشهود أي شك فى أن لهذه الظاهرة العجيبة بالإضافة لذلك الإسم العجيب الذي أُعطِيَ للطفلة لهو دليل على كون هذه الـمولودة ممن إختارهم الرب ليكونوا شهوداً لـمجد اسمه القدوس.

وإسم “ريتـا” جاء من الإسم اللاتيني “مارجريتـا” والذى يعنى “اللؤلؤة”.

وتبع ذلك حادث آخر غير عادي فلقد ذهبت والدتها ذات يوم لتعمل كعادتها فى الحقول فوضعت الطفلة تحت ظل شجرة ثم مضت لعملها ولدى عودتها كادت الأم تصعق من الذعر حيث شاهدت مجموعة من النحل تدخل فى فم طفلتها ثم تخرج منه بصورة مستمرة فخافت الأم أن تأتي بحركة ما لطرد النحل فيزداد هياجه فتمهّلت، وهنا شاهدت منظراً فريداً إذ شاهدت ان النحل كان يدخل فى هدوء ليدهن حلق الطفلة بالعسل ويخرج كما دخل وكانت الطفلة تتذوق ذلك الرحيق فى فرح.

ولقد قيل أن أحد الفلاحين وكانت يده مصابـة مر بجوار الطفلـة وعندما شاهد النحل حاول أن يبعده بيده الـمصابـة وهنـا تـماثلت يده بالشفاء بطريقـة إعجازيـة. ولقد قيل أيضاً أن النحل الذى كان بقريـة “كاسيـا” ظلّ لأكثـر من خمسائة عام يأتـى لنفس الـمكان خاصـة فـى عيد القديسة ريتـا حتى أن أحد الباباوات فى القرن السابع عشر (Pope Urban VIII) قد تأكد من ذلك وإعتبـر هذا بـمثابـة إعلان إلهـي دائـم عن عظمـة تلك القديسة. ولـم يكن بالقريـة أي مدرسة سوى ما تقدمـه الكنيسة فـى ذاك الوقت للأسر الفقيرة من تعاليم مسيحية بسيطة سواء عن طريق الإستماع أو الرسم أو التلوين لقصص الكتاب الـمقدس، وسيـر القديسين.

ولـما كبرت ريتا ونـمت فى الإيمان والمحبة وبلغت الخامسة عشرة من عمرها رغبت الإلتحاق بالرهبنة، غير ان والديها عارضاها لأنها سندهما الوحيد في شيخوختهما وراحا يتوسلان بالدموع اليها لكى ترجع عن رغبتها فوقعت ريتا فى حيرة شديدة ولكنها التجأت الى الله وجثت أمام الصليب طالبة منه الحكمة فألهمها الرب بأن تطيع والديها فقامت ولسانها يردد مع السيد الـمسيح “لتكن مشيئتك لا مشيئتي”. اما والداها فخوفا من ان تعدل عن فكرها قررا في الحال تزويجها وإختارا لها عريساً هو “بول فريناند مانسيني” وكان يعـمل عسكريـا فى بلد يسودهـا الإضطرابات والحروب، وكانت ريتا فى سن الثامنة عشر. ولم يكن اختيارهما موفقا لأن عريسها كان حاد الطبع ويثور عليها دائما بالشتائم والضرب العنيف وكانت تتحمل كل ذلك فى إستسلام ملائكي وتصلي لله من أجله وتصلي دائـما للعذراء مريـم صلاة الـمسبحة الورديـة والتى أصبحت معروفـة فـى ذلك الوقت، وتمارس كثيراً حياة التقشف الجسديـة والتضحيات والتى كانت منتشرة أيضاً بكثرة فـى تلك الفتـرة، حتى بعد وقت طويل أثـمرت صلاتها وأصبح زوجها خاضعا لله.

ولقد رزقت منه بولدين هما جان جاك وبول ماري، ولكنهـما للأسف كانا قد ورثا عن أبيهما شراسة الطبع وكان قلب الأم يعاني من الآلام والهموم بسبب ميولهما الـمنحرفة علـماً بأنهـا كانت تلجأ لكل الوسائل لكي يظل ولداها سائرين فى خوف الله. ولقد قضت القديسة ريتا السنين الطوال فى قلق متواصل لأجل خلاص ولديها. وذات يوم فوجئت بجثة زوجها بعد أن قتل وقد قيل أنـه قُتل بأيدي أعدائـه أو نتيجة خطأ وكان هذا حوالـى عام 1413. وأخذت تصلي من أجل خلاص نفسه وقد غَفَرت للقتلة ولكن ولديها أصرّا على الأخذ بالثأر والإنتقـام، فأخذت تتوسل اليهما ان يتركا هذا الأمر فلم توفّق، فصرخت للرب أن يأخذهما اليه ولا يسمح لهما بإقتراف هذه الجريـمة. ولم يـمض على ذلك أيـامُُ حتى مرض ولداها وماتـا بعد ان تزودا بالأسرار الـمقدسة ولم يتمكنا من الأخذ بالثأر.

وعلى أثر ذلك الإنقلاب غير الـمنتظر وجدت القديسة ريتا نفسها وحيدة ولازمت منزلها تواصل صلاتها وحّن قلبها ثانيـة للإلتحاق بالرهبنة ودخول الدير. وكان بالقرب من كاسيا دير لراهبات القديس اغسطينوس، إشتهر فى تلك الـمنطقة بكمال الحياة الرهبانية، فقصدته القديسة ريتا ولكن يـا لخيبة أملها رُفِضَ طلبهُا لأن قانون الرهبنة يـمنع دخول الـمتزوجات أو الأرامل، ولكنها كررت طلبها هذا ثلاث مرات ولكن دون فائدة. فعادت الى منزلها واعتكفت فيه عائشة فى صلاتها وتأملاتها الـمتواصلة وكان إيمانها قوياً وثابتاً. وذات ليلة بينما كانت القديسة ريتا مستغرقة فى صلاة حارة طالبة العون من شفعائها القديس يوحنا الـمعمدان والقديس أغسطينوس والقديس نقولا تولنـتـن، إذ بنور سماوي يملأ حجرتها فجأة وظهر لها القديسون الثلاثة طالبيـن منها أن تتبعهم. وفي الخارج كان الليل حالكاً ولأنهـا أسلـمت ذاتهـا للتدبيـر الإلهـي وتبعت مرشديها القديسين وهى لا تدري الى أين ستذهب، وفجأة لـمحت الدير أمامها ورأت الباب يُفتح والرئيسة واقفة بداخله بتدبيـر إلهـي فقدّمها القديس اغسطينوس للرئيسة التى قبلتها فى الحال.

وفي سنة 1417 إرتدَت القديسة ريتا ثوب رهبنـة بنات القديس اغسطينوس وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها.
ومنذ أن دخلت الدير حتى بدأت تـعيش قوانين الرهبنة بدقـة لا مثيل لها وتحيا حياة التعبد والخشوع وفى طاعة كاملة ومحبة متأنيـة.
وذات يوم رأت الأم الرئيسة أن تفرض على الأخت ريتا بأن تسقي جذع شجرة ميت منذ زمن طويل يقع عند مدخل الدير، وكان علي القديسة ريتا أن تقوم بهذا العـمل صباحاً ومساءً مهما كانت حالة الجو. وفي ذات يوم فوجئت أن ذلك الجذع تكسوه كرمة ناضرة تتلألأ بعناقيد من العنب ذات رائحة جميلة، فتعجّبن لذلك جميع الراهبات وسجدن مسبحات الله، وهذه الكرمة باقية ليومنا هذا وتُعرف باسم “كَرْمـة القديسة ريتا”. لقد كانت الآم السيد الـمسيح هي الـموضوع الدائم لتأملات القديسة ريتا، وكثيراً ما كانت تُرى ساجدة أمام يسوع الـمصلوب تبكي بدموع غزيرة. ويوما مـا توسلت إلى يسوع الـمصلوب أن يجعلها تشعر فى جسدها ولو بألم إحدى جراحاته، وما أن انتهت من طلبتها حتى إنفصلت بأعجوبة عن اكليل يسوع شوكة من أشواكه وإندفعت بشدة لتنغرس فى وسط جبينها، ولـم يلتئـم الجرح أبداً رغم العناية والعلاج الدائـم بل بالعكس كان يـتسع ويتفاقم وكانت تنبعث منـه رائحة كريهة للغايـة إضطرت بسببها أن تعيش منعزلة عن إخوتها الراهبات. وإستمر ذلك الألم خمسة عشرة عاما دون توقف والقديسة تتحمل فى شكر ولا تكف لحظة عن حمد الله على تلك النعمة الفريدة. ولم يهادنهـا الألـم إلا فى سنة 1450 وهى سنة اليوبيل الـمقدسة حيث يتم كان يتم الإحتفال به فى ذلك الوقت كل خمسون عامـا بزيارة رومـا للصلاة وطلب الـمغفـرة من الله وكان هذا فى عهد البابا نيقولا الخامس، إذ توسّلت القديسة ريتا إلى رئيستها أن تأذن لها بالسفر مع إخواتها الراهبـات الى روما لحضور حفلات اليوبيل، فكان جواب الرئيسة “أطلبي الشفاء من جُرحك فإن تحقق يـمكنك الـمجئ”، فرضخت القديسة لهذا الأمر وراحت تصلي للرب يسوع أن يـمنحها هذه الفرصة، وفى الحال وبـمعجزة إلهية إلتأم الجرح فى الحال وهكذا تسنّى للقديسة أن تذهب إلى رومـا، غير أنـها لدى عودتها لم تكد تغلق ورائها باب الدير حتى عاد الجرح للظهور ثانية وبصورة أشنع مـما كان قبلا.

ولـما بلغت القديسة ريتا الثانية والسبعين من العمر سـمحت العناية الإلهية أن تبقيها لأربع سنوات أخرى راقـدة على فراش الـمرض تعانى مرضاً مؤلـماً للغايـة،لم تستطع معه أن تبتلع طعاماً أيـّا كان حتى أصبح القربان الـمقدس هو غذاءها الوحيد طوال هذه الـمدة ومع هذا كان فرحهـا عظيـماً بكل هذه الآلام متشبهـة ببولس الرسول الذى قال: “إنـّي أفرح الآن فى الآلام من أجلكم وأُتمّ ما ينقص من شدائد الـمسيح فـى جسدي لأجل جسده الذى هو الكنيسة” (كولوسي24:1). وذات يوم زارتها أثناء مرضها، إحدى قريـباتها قادمة من قريتها وعندما سألتها تلك الزائرة عمّا إذا كانت تستطيع أن تؤدى لهـا أي خدمة فأجابتها القديسة: “رجائي اليك ان تذهبي حال وصولك الى حديقة منزلنا القديم وتأتيني بوردة تجدينها هناك”. وكان الوقت شتاء والجليد يغطى الأشجار وخيّل للجميع أن الـمريضة كانت تهذى بسبب مرضها. إلاّ أن قريـبتها حين عادت الى “روكّا بورينا” أصرّت على الوفاء بالوعد فتوجهت الى الـمسكن فوجدت شجرة ورد بالفعل وقد اسودت من فعل الجليد ومن طول الزمن وكانت مغطاة بالثلج وبالرغم من ذلك فانها كانت تحمل وردة بهية يلمع لونها الزاهي فقامت بقطفها وأسرعت راجعة للدير حاملة تلك الوردة العجيبة فأخذتها منها القديسة بلا دهشة، بخلاف إخواتها الراهبات اللواتى اعتراهن الذهول وبدأن يرتلن لله بـآيات الشكر، ويوجد الآن فـي مكان تلك الوردة العجيبة تـمثال من البرونز تذكاراً لتلك الأعجوبـة. اما الزائرة فكانت تتأهب للعودة حين طلبت منها القديسة ريتا أن تعود الى الحديقة وتحضر هذه الـمرّة ثـمرتين من التين سوف تجدهما هناك، وفعلت الزائرة وعادت الى نفس الـمكان وأمكنها أن تجنى كذلك من تينة جرداء ثـمرتين.
ولهذا نرى الأديرة الأغسطينية تـُحيي فى 22 مايو مرة كل عام ذكرى أعجوبة الوردة وذلك بتبريك الورد وتوزيعه على الـمؤمنين وفى ظروف عدة كانت تلك الورود الـمباركة توضع على الـمرضى فيتم شفاؤهم. ولقد انتشرت هذه العادة فى جميع الكنائس فى أنحاء العالـم. ولـمّا كانت القديسة ريتا فى السادسة والسبعين من عمرها تراءى لها سيدنـا يسوع الـمسيح مصحوبا بأمه مريم العذراء الكلّية القداسة وقال لها: “بعد ثلاثة أيام يا حبيبتي سوف تأتيني فتتمتعي بـمجدي”.

فأخذت قديستنا هذا الوعد العجيب وراحت تبث البشرى فى فرح يفوق الوصف بين اخواتها الراهبات فلم يتمالكن أنفسهن عن اظهار انفعالهن فكانت تقول لهن: “لـماذا تبكين؟، الأحرى بكن أن تفرحن معي لأني عما قريب سأحظى بعد طول انتظار برؤيـة يسوع الحبيب”. وفي الثاني والعشرين من شهر مايو سنة 1457 رقدت القديسة بسلام بين ذراعي عريسها السماوي بعد أن قبلت الأسرار الأخيرة وعلى وجهها مسحة من الهدوء حتى ان كل من رآها كان يشك في انها قد ماتت وبدأت أجراس الدير تدق من تلقاء ذاتها وقد انتشر بعد موتها فى حجرتهـا رائحة ذكيّة للغايـة من جرح جبينها الذى شفـى تمامـا وأصبح كأنـه قطعة من الحجر الثـمين الأحـمر اللامع كشهادة لقول الـمرّنم: “أنك تجعل على رأسه إكليلاً من ذهب”(مزمور3:20).

ولقد شهدت احدى الراهبات جوقة من الـملائكة تحمل الى السماء نفس القديسة.
ولقد حاولت إحدى الراهبات وإسمهـا الأخت كاترين مانسينـي والتي كانت تعانـي من شلل فـي إحدى يديهـا أن تضع يديهـا حول رأس القديسة ريتـا بعد ممـاتهـا فحدثت أن شفيت بطريقة عجائبيـة وكانت هذه هـى أولـى معجزاتهـا بعد موتهـا.
وأثنـاء غسيل الجسمان وإعداده للدفـن وقف أهالـي بلدة “كاسيا” خارج الديـر منتظريـن أن يروا جثـمان من كانوا يطلقون عليهـا إسم “القديسة”. وبالفعل وضع التابوت وبداخله الجثـمان فـى كنيسة الديـر وتُرك مفتوحـاً لكي يتمكن الـمؤمنين من رؤيتهـا، وظل هذا التابوت مفتوحـاً لـمدة تزيـد على 138 عامـا. وبعد أعوام قليلة تعرّض الدير لحريق ممـا أتلف التابوت ولكن لـم يُمس الجثـمان من النار. ظلّ جسمان القديسة ريتا ثلثمائة سنة محفوظا فى كنيسة الدير بكاشيا داخل نعش من خشب الحور يكسوه تابوت آخر من خشب الجوز. وفي سنة 1745 بحضور الـمطران بونانيزا اسقف “سبوليت” فى ذلك الوقت نقل الجثمان الطاهر الى تابوت آخر. واليوم وقد مرت خمسة قرون على موتها لكن جسمها ظلّ باقيا فى حالة تستدعي العجب وفى وجهها الذى تعلوه بعض الشحوب، تلمع من خلال الشفتين أسنان ناصعة البياض ومن داخل جفنيها الـمفتوحين قليلا تشع عيناها ببريق طبيعي ولقد قيل ان هاتين العينين قد شوهدتا وهما تنفتحان بضع لحظات، أما كفنها وثيابها فهـما لا لا يزالان كليهما سليمين تماما وينبعث أحيانـا من تابوتها روائح زكيّة لطيفة تعطر الدير كله وبخاصة فى 22 مايو.

ولقد جاء فى مستندات رسـمية وشهادة الشهود العديد من الـمعجزات التى تـمجد الله بفضل شفاعتها القديرة.
فلقد شهد البعض بأنهم رأوا جسد القديسة يرتفع فى بعض الأحيان داخل التابوت.
ومن أولى تلك العجائب انه بينما كانت الراهبات يتساءلن فى حيرة عمن يكلفنه بصنع نعش القديسة ريتا هبّ من بين الحضور شاب وكان كسيحا منذ مدة وصرخ قائلا “آه لو لم أكن كسيحاً لـما كان يصنعه غيري” وفى نفس اللحظة شفى من مرضـه.
ومنذ ذلك الحين والعجائب بشفاعة القديسة ريتا تكثر وتتضاعف ولقد شاءت تقوى الشعب أن تلقّب القديسة ريتا بشفيعة “حل الصعاب” وأيضاً “قديسة الأمور الـمستعصيـة” وذلك تذكارُ للمواهب الفائقة الطبيعة التى شملتها بها العناية الإلهية.

ولقد أُعلنت طوباويتهـا فى سنة 1737 ثم أُعلنت قداستها فى 24 مايو من سنة 1900 يوم عيد الصعود فى عهد قداسة البابا لاون الثالث عشر.
ولقد تم وضع الجثـمان والتابوت داخل دولاب زجاجـي فـى الكنيسة الجديدة التى تم بناؤهـا فـى عام 1925.
وفى أيـامنا هذه أصبح تكريم القديسة ريتا منتشرا فى كل مكان من العالم وهناك العديد من الصلوات التى يتلوهـا الـمؤمنيـن لطلب شفاعتهـا وهـي كالآتـي:
صلوات تتلى على مدار ثلاثـة أيام لنوال نِعمة مـا، أو من أجل الـمرضى، أو للشكر بعد نوال النِعـمة الـمطلوبـة.
صلوات تسعاويـة وهـى تتلى على مدار تسعة أيام مـتتاليـة.
صلوات تتلى على مدار خمسة عشر مـرة كل يوم خميس عند طلب ما (خاصـة قبل عيدهـا الـموافق 22 مايو من كل عام).
وهناك أيضا قداس بصلوات مخصصة طلبـا لشفاعة القديسة ريتـا.
بعض الطِلبات.
وكل تلك الصلوات لطلب شفاعة القديسة ريتـا بثقـة فلن يعود خائبا من يتلوهـا على شرط أن يكون ذا إيـمان حي وخضوع كلي لـمشيئة الله القدوس.
 

 
 

مار مارون الناسك

 

 

لسنا نملك سوى القليل من المعلومات عن حياة هذا الرّاهب العظيم وعن نشأته. وحده المؤرّخ الكبير تاودور يطّوس، أسقف قورش في القرن الخامس، أعطانا بعض التفاصيل عن سيرة الرّاهب مارون في كتابه الرّهباني “Histoir Religieuse ” الذي وضعه حوالي سنة 440 ميلاديّة ويدعى أيضاً تاريخ أحبّاء الله، إلّا أنّه لم يذكر تاريخ مولده ولا تاريخ وفاته، مكتفياً بالقول عنه أنّه ولد في القرن الرّابع، وأنّه كفّر بنفسه، على مثال الكثيرين من الرّهبان، وهجر العالم إلى شمالي سوريا، آنذاك.

مار مارون الآرامي السوري:

ناسك قدّيس انطلق من قرية أكدة قرب الحدود السوريّة مع تركيا التي كانت تدعى (كيتا) من حضن معلّمه الشّهير (زابينا) إلى بلدة (نيارا) القريبة من (اعزاز) حيث تنسّك مع صديقه داميانوس في كوخ على بيدرها، وصولاً إلى (كفر نبو) منطلق حضوره وتبشيره وانقضاضه على التّماثيل الوثنيّة وبناء كنيسته وصولاً إلى مدفنه في (براد). تنسّك في قورش قرب حلب في شمال سوريا. ينتسب إليه المسيحيّون الموارنة. بني ديراً باسمه على نهر العاصي قرب قلعة المضيق في سوريا. يروى أن 350 من أتباعه قتلوا لرفضهم مقولة الطبيعة الواحدة في المسيح.

دمرّ ديره الإمبراطور يوستينيان الثاني سنة 694 للسبب نفسه.

– مار يوحنّا مارون (اول بطريرك ماروني من تلاميذة مار مارون) اضطُّر مار يوحنا مارون وتلاميذه إلى الهجرة إلى لبنان بسبب الإضطهاد الذي ألحقتهم به الجيوش الرومانيّة والإسلاميّة. فانتقل إثر ذلك الكرسي البطريركي إلى كفرحي البترون حيث شُيِّد دير (ريش مرو ومعناه رأس مارون) لتوضع فيه جمجمة مار مارون فيما بعد.

– لقد شغف الرّاهب مارون بالسيّد المسيح، وقرّر التسلّق إلى سلّم الكمال.
فصعد إلى قمّة جبل من جبال أبرشيّة قوروش، وسكن أنقاض هيكل للأصنام، محوّلاً إيّاه إلى بيت صلاة وتضرّع قاضياً فيه حياة نسكيّة أشدّ قساوة من حياة باقي إخوانه الرّهبان وما لبثت شهرته أن اجتذبت جميع أولئك المتعطّشين إلى الكمال المسيحي، فلحقوا به، مقتفين خطاه لأنّهم رأوا فيه المثال الحي والمرشد الروحي الخبير، مشاطرينه العزلة والمنسك وقد تخرّج من مدرسته النسكيّة تلاميذ كثيرون.

– مار يوحنّا مارون هو راهب من دير مار مارون وأسقف البترون وجبل لبنان. انتُخب أوّل بطريرك على الكنيسة المارونيّة خلال النصف الثّاني من القرن السّابع بعد المسيح (حوالي 686 م) عندما أصبح الكرسي الإنطاكي شاغراً. وهو أوّل بطريرك ماروني على إنطاكية والثّالث والستّون بعد القديس بطرس الذي أسّس الكرسي الإنطاكي في القرن الأوّل بعد المسيح.
فبهذا العمل كانت بداية تنظيم وبناء الكنيسة المارونيّة على الصّعيد الكنسي والوطني والإجتماعي.

– مات القديس مارون في أوائل القرن الخامس على الأرجح تقدّر سنة 405 أو 423 مسيحيّة، وراح سكّان القرى المجاورة يتنازعون جثمانه ليحفظوه ذخيرة في كنيستهم، إلى أن كانت الغلبة للبلدة الأكثر عدداً والأقوى مراساً والأشدّ نفوذاً، فشيّدت على اسمه كنيسة ضمّت جثمانه، ولم تلبث أن أصبحت مزاراً يحجّ إليه المؤمنون من كلّ حدب وصوب. وفي سنة 452 بنى الامبراطور مارسيانوس، في جوار أفاميا، عاصمة سوريا الثّانية، ديراً كبيراً على اسم القدّيس مارون ليسكن فيه تلاميذه الكثر.
فكان هذا الدّير مهد الكنيسة المارونيّة.
 

 
 

حياة القديس بادري بيو

 

 

الأب بيو المعروف بـ (بادري بيو) بالايطالية (PADRE PIO) ولد بتاريخ 25 ايار 1887 في بيترلشينا في بينيفنتو في ايطاليا لوالديه اورازيو فورجينا وجوزبا دي نونزيو وكان اسمه عند الولادة فرانسيسكو.

حياته:
-التحق بدير الآباء الكبوشيين في موركونيه وهو في العمر الخامس عشرة.
-اصبح راهباً بتاريخ 22 يناير 1903.
-رسم كاهناً بتاريخ 10 اب 1910 وذلك في كاتدرائية مدينة بينيفنتو.
-وبسبب ظروفه الصحية اضطر للمكوث عدة سنوات في قريته.
-استقر الأب بيو لاحقا في دير القديسة حنة في فوجا وذلك في شهر شباط في عام 1916.
-انتقل بعدها الى دير يوحنا روتوندو وبقي فيه لا يغادره الا ما نادراً.
-خلال قيام القديس بالصلاة بتاريخ 20 ايلول عام 1918 نال ما يعرف باسم “سِمات المسيح “اي ظهور جراح في ذات المواضع التي جرح بها يسوع المسيح عند صلبه”.
-كان القديس بيو من القديسيين الذين نالوا نعمة الله وامكانية التواجد بأكثر من مكان في نفس الوقت.
-مارس الأب بيو خلال حياته الكهنوتية نشاطات اجتماعية وانسانية متنوعة وكان افتتاح مستشفى من ابرز انجازات.
-توفي في 23 سبتمبر-ايلول 1968.
-اعلنه البابا يوحنا بولس الثاني مكرماً في18ديسيمبير-كانون الاول 1997 وطوباوياً بتاريخ 2مايو-ايار في عام 1999 واخيرا اعل نبه قديساً في تاريخ 16 يونيو-حزيران 2002.
 

 

القديس جاورجيوس

 

 

إن شهيد المسيح العظيم والمجيد في الحقيقة جاورجيوسُ ولد من أب كبادوكي الوطن وأم فلسطينية.

وصار في أول أمره تريبونس أي قائد ألف بحسب الوظيفة فاشتهر في الحرب جداً حتى لقب بالظافر أو اللابس الظفر. ثم على عهد ديوكليتيانوس جاهر معترفاً بالمسيح وكان قد تلقن الإيمان به من والديه وأجداده لكنه كان إلى ذلك الوقت يخفيه فكابد من أجله تعذيبات متنوعة إلا أنه ظهر في جميع الأحوال ظافراً وقاد بعجائبه التي صنعها مدة جهاداته كثيرين إلى معرفة الحق.

ثم قطع رأسه سنة 296. أما جسده الشريف فنقله عبده من مكان استشهاده الذي لا علم لنا عنه إلى قرية اللد في فلسطين التي لا ريب بأنها كانت وطن أمه.

ثم في ما بعد وضع في الكنيسة التي بنيت فيها على اسمه.
 

 

مار الياس النبيّ

 

 

من أشهر أنبياء العهد القديم.
اشتهر بالتنسّك والتقشّف الصارم، والتعبّد الخاضع لمشيئة الله خضوعاُ مطلقاّ، وبالغيرة الناريّة على بيت الله.

ولهذا سار آباؤنا على خطاه جامعين الحياة النسكيّة الى القوّة والشجاعة حفاظاً على الإيمان والاخلاق.

ظهر هذا النبيّ حوالي سنة 890 قبل المسيح. وقصته مع ملك إسرائيل آحاب وامرأته الكنعانيّة ايزابيل شهيرة. عندما تمادى هذا الملك باسخاط الرّبّ أُرسل اليه النبيّ فقال:
"حيّ الرّبّ الذي انا واقف أمامه، إنّه لا يكون في هذه السنين ندى ولا مطر الا عند قولي".
وهكذا صار! اضطهده الملك الذي تبع ديانة زوجته تاركاً الاله الحقيقيّ. فهرب من مكان الى آخر صانعاً العجائب. في صرفت صيدا (الصرفند) بارك جرّة الدقيق وقارورة الزيت لتلك الأرملة، فلم تفرغ الأولى ولم تنقص الثانية. وأقام إبن مضيفته الأرملة من الموت.

حياته كانت سلسلة عجائب، وانتقاله عن هذه الأرض ظاهرة عجيبة أيضاً، مركبة نارية نقلته بعيداً عن عيون الناظرين وعن تلميذه اليشاع النبيّ، حتى اعتبرته الأجيال حياّ مدى الدهر.

النبيّ الياس حيّ في غيرته على بيت الله، وفي مثاله الرائع… فهو مثال الغيور على عبادة الله، المنتقم من الكفّار والظالمين، والمشفق على الفقراء والمساكين…وكلّها صفات ينشدها كلّ انسان يؤمن الايمان الحقّ، ويتخلق بفضائل القدّيسن.

من شاء المزيد من حياة النبي ايليا فليقرأ سفري الملوك الثالث والرابع.
 

 

حياة القديسة كلارا الأسيزية

 

 

ولدت القدّيسة كلارا في مدينة أسّيزي في إيطاليا، حوالي سنة 1194. وصارت تشعّ بالبراءة منذ صغرها. فأخذت عن أمّها مبادئ الإيمان، واستسلمت للروح القدس ليصوغها كما يشاء فصنع منها إناءً نقيّاً قابلاً لاحتواء كلّ النعم. وكانت تمدّ يد العون إلى الفقراء بعفويّة، وتستعمل ثراءها للتخفيف من آلامهم. فكانت تحرم نفسها ألوان الطعام اللذيذة، وتحملها في الخفية للأيتام الفقراء. وهكذا نمت فيها المحبّة وهي بعد في بيتها الوالديّ، ونما فيها روح عطوف، فتشفق على البائسين التعساء. وكانت الصلاة أفضل ما تملأ به وقتها. وعندما شعرت بوثبات الحبّ الأكبر تصعد إلى قلبها، زهدت في مظاهر الجمال الدنيويّ. سمعت كلارا بالقدّيس فرنسيس الذي ذاعت شهرته، وسرعان ما تمنّت السير على خطاه. فذهبت إليه، وفاتحته بسرّها وبرغبتها بتكريس ذاتها كليّاً لله، وبعيش الإنجيل بالفقر والصلاة. وعندما وافق فرنسيس، مضت تاركةً وراءها بيتها وعائلتها، متّجههً نحو دير سيّدة الملائكة. وهناك استقبلها فرنسيس مع الإخوة، وودّعت كلارا العالم وداعاً نهائيّاً. وبدأت المسيرة ! انتشر الخبر بسرعة في أوساط العائلة، فشجب الجميع قرار كلارا، واتّفقوا على موعد يهرعون فيه جميعاً إلى الدير. لكن محاولتهم باءت إلى الفشل، وسرعان ما لحقت بها أختها أنياس، رغم المقاومة الشديدة للعائلة. لم يطل الأمر حتى صارت النساء والفتيات يهرعن إليها. فصارت الجماعة تنمو بسرعة وتزدهر تحت إشرافها، رغم صغر سنّها.
وكان الجميع يعيش فقراً مطلقاً، وطاعةً ساميةً، لأنّ محبّة الله كان محرّكها الأساسيّ. “نحن معاونو الله” كانت القدّيسة كلارا خادمةً ومسؤولةً عن أخواتها. فكانت توقظهم من النوم لصلاة منتصف الليل، وتقوم بالأعمال الوضيعة. كانت تؤمن إيماناً كبيراً بالإنسان: فكانت بمثابة مدرسةٍ حقيقيّة للتنشئة، مبنيّةٍ على نظرةٍ إيجابيّة للإنسان. فهي تقول أنّ المؤمن هو أكثر أهميّة من السماوات، لأنّ السماوات لا تسع الله، بينما المؤمن هو مسكنٌ للرب. “لم يخلق الله ممتلكات، بل هدايا” كانت ترغب القدّيسة كلارا في أن تعيش أخواتها في الدير، دون ممتلكات ودون الاهتمام بالغد وكانت تريد امتيازاً واحداً: العيش دون امتيازات ! كان الفقر، بالنسبة لها، مسألة هويّة: اتّباع المسيح الفقير والمصلوب! لقد اعتنقت الفقر، لأنّ حبيبها اعتنقه أيضاً. “النظر والتأمّل” كانت صلاة كلارا بصريّة جدّاً فكانت تستعمل الحواس كثيراً: النظر، التأمّل، المشاهدة، كي نصلّي، لا نحتاج لأن نغلق أعيننا وأن نختبىء عن العالم.

إنّما أن ننظر: ننظر إلى العالم بعينيّ الله وننظر إلى المسيح مرآتنا. لأنّ النظر يخلق شبهاً. إنّ حضارتنا مليئة بالصور (التلفزيون، الإنترنت، الموضة،…) التي تؤثّر علينا وتغيّر حياتنا. لكنّ مرآة المسيح تحرّرنا وتحوّل كياننا يكفي أن ننظر كلّ يوم وبصورة مستمرّة.
 

 
 

القديسة حنة (والدة العذراء الطوباوية)

 

 

حنة ( بالعبرية حنة، نعمة، وتلفظ أيضا آن أو آنا) هو الاسم التقليدي لوالدة العذراء القديسة مريم.

حنة زوجة يواكيم وأم مريم، هي الجدّة بحسب الجسد لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
اسمها يعني “النعمة”، “الكريمة”، أو “المُحِِبة”.

لا نملك معلومات مؤكدة عن القديسة حنة.
لم يرد ذكرها في العهد الجديد، ويجب أن نعتمد على الأبوكريفا، خاصةً رسالة يعقوب، والتي تعود فقط إلى القرن الثاني الميلادي.
حيث تخبرنا أن حنة زوجة يواكيم، كانت قد تقدمت في السن ولم تُستجَب صلواتها من أجل طفل. عندما كانت تصلي مرة تحت شجرة غار قرب منزلها في الجليل، ظهر ملاك وقال لها: “حنّة، لقد سمع الرب صلاتك وستحبلين وتلدين، وسيتكلم العالم كله عن ذريتك.”
أجابت حنة: ” إذا أنجبت صبيا أو بنتا فإني أقدمه هدية لربي وإلهي، وسيخدمه بالبر كل أيام حياته.” وأصبحت حنة والدة العذراء مريم.

مع ولادة مريم، بدأت أمها القديسة حياة جديدة، راقبت كل تحركات ابنتها بحنان وتوقير، وعالمة بمصير الصغيرة، شعرت أنها تتقدس في كل ساعة بحضور طفلتها الطاهرة.
لكنها نذرت ابنتها للرب، وكانت مريم الصغيرة قد نذرت نفسها للرب، وقد أعادتها حنة إليه.
كانت مريم في الثالثة من عمرها عندما قادها يواكيم وحنّة إلى درجات الهيكل، شاهداها تعبر وحدها إلى الحرم الداخلي، ولم يرياها بعد ذلك أبدا.
وهكذا تُركت حنة دون أولاد في سنها المتقدم وبعيدة عن أنقى سعادة دنيوية لها.
لم يستطع أقدس والدين على الأرض(حسب خطة الله) أن يربيا الطفلة كما تحتاج، فكان على مريم أن تعاني منذ سنواتها الأولى.
خضع القديسان يواكيم و حنة بتواضع واحترام للإرادة الإلهية و بقيا يراقبان و يصليان، حتى دعاهما الله للراحة الأبدية.

“ القديسة حنة الصالحة” هي الطريقة المحببة التي ينادي بها العديد من المؤمنين أم العذراء مريم والدة الإله.

بعد مرور خمسين عاما على وفاة القديسة حنة، أحضِر جثمانها إلى فرنسا من قِبل القديسة مريم المجدلية و مرافقوها سنة 47 م.

عدد لايحصى من الكنائس كُرست للقديسة حنة حول العالم، وإنّ كندا بشكل خاص مكرسة لها ويوجد مزار جميل باسمها هناك يسمى “مزار القديسة حنة في بيوبري” والذي يأتي إليه الناس من كل مكان.

البساطة هي السر الذي نكتسب به حب القديسة حنة، شفاعتها، وحمايتها.
لقد علّمت ابنتها الطوباوية قراءة الكتاب المقدس وهي ترى فيها إتمام كل النبوءات.
شاعرة بطهارة ابنتها، قداستها، جمالها، تألقها الذي لا يوصف، قامت القديسة حنة مع زوجها القديس يواكيم بتقديم مريم إلى الهيكل وهي في الثالثة من عمرها فقط ، وأعطياها للرب ولنا للأبد.

يقع عيدها مع القديس يواكيم في 26 يوليو.
 

 

حياة القديسة رفقا

 

 

1- نبذة عن حياة القديسة رفقا

أبصرت القدّيسة رفقا النور في حملايا، إحدى قرى المتن الشمالي بالقرب من بكفيا، في 29 حزيران يوم عيد القدّيسين بطرس وبولس، سنة 1832 بقيت وحيدة لوالديها: مراد صابر الشبق الريّس، ورفقا الجميّل.
قَبِلَت سرّ العماد المقدّس في 7 تموز سنة 1832، ودُعيت بطرسية.
نشّأها والداها على حبّ الله والمواظبة على الصّلاة. تُوفّيَت الوالدة سنة 1839، ولمّا تزل رفقا في السّابعة من عمرها، وقد كانت مولعة بحبّها.
وَقعَ والدها في الضيق والعوز، فأرسلها إلى دمشق سنة 1843 لتخدم في بيت أسعد البدوي، اللبنانيّ الأصل، على مدى أربع سنوات. عادت رفقا إلى البيت الوالديّ سنة 1847، فآلمها أنّ والدها قد تزوّج في غيابها.
بدَت رفقا جميلة الطّلعة، حلوة المعشر، خفيفة الرّوح، رخيمة الصوت، تقيّة وديعة. فأرادت خالتها (شقيقة أمّها) أن تزوّجها بابنها، وخالتها (زوجة والدها) بشقيقها، ممّا أدّى إلى خصامٍ بينهما.
حزِنَت رفقا لهذا الخلاف، واختارت أن تعتنِق الحالة الرّهبانيّة.


2- رفقا في جمعيّة المريمات (1859 – 1871)

طلبت رفقا إلى الله أن يُساعدها على تحقيق رغبتها، فذهبت إلى دير سيدة النجاة، في بكفيا، للترهّب في جمعيّة المريمات، التي أسّسها الأب يوسف الجميّل. لدى دخولها كنيسة الدير شعَرت بفرح وسرور لا وصف لهما.
نظرت إلى إيقونة سيدة النجاة فسمعت صوت الدّعوة إلى التكرّس لله: “إنكِ تترهّبين”. قَبِلَتها الرئيسة دون أن تستجوبها، فدَخَلَت الدير، ورَفَضَت بعد ذلك العودة إلى المنزل، عندما حضر والدها وزوجته ليثنياها عن عزمها. بعد فترة الطالبيّة، اتّشحَت رفقا بثوب الإبتداء في 19 آذار سنة 1861 يوم عيد القدّيس يوسف. وفي العيد نفسه من سنة 1862 أبرزت النذور الرهبانيّة الموقّتة. توجّهت الناذرة الجديدة إلى إكليريكيّة غزير، حيث عُهِد إليها القيام بخدمة المطبخ. وكان في عداد الإكليريكيّين، البطريرك الياس الحويك والمطران بطرس الزّغبي. كانت تستغِلّ أوقات الفراغ لتتلقّن اللغة العربية والخط والحساب. حوالي سنة 1860، أُرسِلت رفقا إلى دير القمر لتلقّن الفتيات التعليم المسيحيّ. أثناء الأحداث الدامية التي عصفت بلبنان آنذاك، رأت رفقا بأمِّ العين استشهاد الكثيرين، فتحلّت بالقوّة والشجاعة وحنّت على أحد الأولاد الصّغار وخبّأته بردائها، فأنقذته من الموت المحتّم. أمضت رفقا حوالي سنة في دير القمر، ثم عادت إلى غزير. سنة 1863، توجّهت رفقا بأمر الرؤساء إلى مدرسة جمعيّتها في جبيل، وأقامت فيها مدة سنة تُدرّس البنات وتنشّئهنّ على مبادىء الإيمان. في أوائل سنة 1864 نُقِلَت من مدرسة جبيل إلى قرية معاد، نزولاً عند طلب المُحسِن الكبير أنطون عيسى. وأقامت هناك مدة سبع سنوات، أنشأت خلالها مدرسة لتعليم البنات بمساعدة إحدى أخواتها الراهبات.


3- رفقا في الرّهبانية اللبنانيّة المارونيّة (1871 – 1914)

في دير مار سمعان القرن – أيطو (1871 -1897)

خلال إقامتها في معاد، وعقب أزمة ألمّت بجمعيّة المريمات حوالي سنة 1871، دخلت رفقا إلى كنيسة مار جرجس، وطلبت من الرّب يسوع أن يُساعِدَها على اتخاذ القرار، فسَـمِعَـت صـوتـاً يُناديها:” إنكِ تترهّبين “. وصلّت رفقا، فتراءى لها في الحلم مار جرجس ومار سمعان العامودي، ومار انطونيوس الكبير أبو الرّهبان، الذي قال لها: ” ترهّبي في الرّهبنة البلديّة “. سَهّل لها السيّد أنطون عيسى طريق الانتقال من معاد إلى دير مار سمعان القرن – أيطو. فَقُبِلَت على الفور، ولبِسَت ثوب الإبتداء في 12 تموز 1871، ثم نَذَرت نذورها الإحتفاليّة في 25 آب 1872، واتّخذت لها اسم الأخت رفقا تيَمُّناً باسم والدتها. أمضت رفقا ستاً وعشرين سنة في دير مار سمعان القرن – أيطو، وكانت مِثالاً حيّاً لأخواتها الراهبات في حفظ القوانين والصلوات والتقشّف والتضحية والعمل الصامت. في الأحد الأول من تشرين الأول سنة 1885، دخلت رفقا إلى كنيسة الدير، وراحت تصلّي، طالبة من الرّب يسوع أن يُشرِكَها في آلامه الخلاصيّة. فاستجاب سؤلها للحال، وبدأت الأوجاع المؤلمة في رأسها، ثم امتدّت إلى عينَيها. وباءت جميع محاولات مُعالجتها بالفشل. إثر ذلك، تقرّر إرسالها إلى بيروت للمعالجة. فعرّجت على أنطش مار يوحنا مرقس-جبيل، حيث عُرِضَت على طبيب أميركيّ، فأمر بإجراء عمليّة سريعة لعينها اليمنى. ولم تَقبل بالبنج للتخفيف من ألمها، وأثناء العملية اقتلع الطبيب خطأً عينها برمّتها، فقالت:” مع آلام المسيح، سلِمَت يداك، الله يآجرك”. ثمّ ما لبث الداء أن تحوّل إلى عينها اليُسرى، فحَكَم الأطبّاء بأن لا منفعة لها بالعلاج. رافقها وجع العينَين المرير أكثر من اثنتي عشرة سنة وهي صابرة، صامتة، مصلّية، فرِحة ومردّدة: “مع آلام المسيح”.


في دير مار يوسف – جربتا (1897 – 1914)

عندما قرّرت السلطة في الرّهبانية اللبنانيّة المارونيّة تأسيس دير مار يوسف الضهر-جربتا في منطقة البترون سنة 1897، تَمّ نقل ست راهبات من دير مار سمعان المذكور، إلى الدير الجديد برئاسة الأم أورسلا ضومط المعاديّة. وكانت رفقا من بينهنّ لأنّ الراهبات أصرَرْن على مجيئها معهنّ لفرط ما كنّ يُحبِبنَها ويأملن إزدهار ديرهنّ الجديد بصلواتها. وفي سنة 1899، انطفأ النور نهائيّاً في عينها اليسرى، لتُضحِيَ عمياء، وتبدأ مرحلة جديدة من مراحل آلامها. عاشت رفقا المرحلة الأخيرة من حياتها مكفوفة ومخلّعة: عمًى كامل، وجع مؤلم في الجنب وضعف في الجسد كلّه، ما عدا وجهها الذي بقيَ مُشرقاً وضّاحاً حتى النفَس الأخير؛ انفكّ وركها الأيمن وانفصل عن مركزه، وكذلك رجلها الأخرى؛ غَرِقَ عظم كتفها في عنقها وخَرَج عن موضعه؛ برزت خرزات ظهرها بحيث أصبح سهلاً عدّها واحدة فواحدة؛ وصار جسمها كلّه يابساً خفيفا، وجلدها جافّاً، فبدت هيكلاً عظميّاً محضوناً بجلد؛ لم يبقَ عضو صحيح في جسمها غير يدَيها اللتَين كانت تَحوك بهما جوارب بالصنّارة، وهي صابِرة على آلامها وأوجاعِها، فرِحة، مُسبِّحة بلسانها وشاكِرة الربّ يسوع على نعمة مشاركته في آلامِه الخلاصيّة. رَقَدَت رفقا برائحة القداسة في 23 آذار 1914، في دير مار يوسف-جربتا، وقد أمضَت حياتها في الصلاة والخدمة وحمل الصليب، متزوّدة بالقربان الأقدس، متّكلة على شفاعة أمّ الله مريم والقدّيس يوسف ومُرَدّدة اسم يسوع. دُفِنَت في مقبرة الدير. أشعّ النور من قبرها طيلة ثلاثة أيام ممتالية. أجرى الرّب بشفاعَتِها عجائب ونعماً كثيرة. في 10 تموز 1927 نُقِلَت رُفاتها إلى قبر جديد في زاوية معبد الدير إثر بدء دعوى تطويبها بتاريخ 23 كانون الأول 1925، والشروع بالتحقيق في شهرة قداستها في 16 أيار 1926.

4- اعلانات بابا روما بما يخصّ رفقا

أعلنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. مُكرّمة في 11 شباط 1982، ثمّ طوباويّة في 17 تشرين الثاني 1985، وقُدوة ومِثالاً في عبادتها للقربان الأقدس، لليوبيل القربانيّ لعام 2000 . رفعها البابا عينه قدّيسة على مذابح الكنيسة الجامِعة في 10 حزيران سنة 2001. مع أربعة طوباويّين هم:
•لويجي سكروسوبي (1804-1884) فرييولي، ايطاليا
•اغوسطينو روسكلّي (1818-1902) ايطاليا
•بيرناردو دا كورليون (1605-1667) كورليون، سيسيليا، ايطاليا
•تيريزا أوستوتشيو فيرزيري (1801-1852) بيرغامو، ايطاليا
•رفقا بطرسيّة شبق ألريّس (1832-1914) حملايا، المتن، لبنان