سجل الزوار

 اضفنا للمفضلة

اتصلوا بنا

الرئيسية

 

عيد جميع القديسين- القداسة هدف الحياة الروحية

 

 
عيد جميع القديسين- القداسة هدف الحياة الروحية
إن الطموح الأساسي للمسيحي الحق هو القداسة. فالقداسة هدف الإيمان المسيحي وغاية الحياة الروحية. وبذلك لا تهدف المسيحية في عمقها إلى تحقيق مؤسسات خيرية واجتماعية وفكرية وتربوية، إلا بمنظار هذا الطموح الأساسي، وهو إطلالة الملكوت في المكان والزمان، في كل مكان وكل زمان. أو لنقل بالأحرى: مؤسسات المسيحية هي شهادة لخبرة حب عميقة يعيشوها مؤمنوها . يقول الطيب الذكر البابا يوحنا بولس الثاني:" إن أكبر خدمة يقدمها المسيحي للعالم وللكنيسة هي أن يكون قديساً".
القداسة إذاً هدف الحياة الروحية، ولكن هذا الهدف يتحقق دون أن ينتهي، لأن الله لا ينتهي، والغاية هنا ليست مجرد فكرة أو مبدأ أو عقيدة أو مشروع أو أي شيء آخر، الغاية هي فقط اللقاء بالله القدوس المحب، وتواصل اللقاء معه. تقول القديسة تيريزيا الأفيلية:" كل شيء يزول ... الله يبقى... الله وحده يكفي..."
لقد استطاعت الكنيسة عبر تاريخها، وبالإصغاء المرهف للروح القدس، أن تعلن بعض الشخصيات التي حاولت مواصلة الانسجام والتجاوب مع مبادرة الله المحبة. أولئك الذين حاولوا تقبل سخاء الله ونعمه الغير المحدودة، فتلقوا "الروح القدس"، فنجحوا وتقدسوا وكانوا ذلك "السحاب الكثير الكثيف من الشهود" (عب 1:12) الممتلئ من محبة الله وقداسته.

القداسة طموح الشهداء

لقد رأى المسيحيون الأوائل أن قمة حياة القداسة هي الاستشهاد، خصوصاً أن المسيحية انتشرت في عصر الاضطهاد. لذلك نرى أن معظم تلاميذ يسوع سفكوا دمائهم تمسكاً بإيمانهم (رو 35:8). فكانوا حقاً "زرع الكنيسة". فاقتدوا بيسوع في حياته وموته لتستمر الكنيسة، بعد قيامته، من خلال شهادة حياتهم. هكذا وُصفت الشهادة على أنها الشكل الأعلى والأسمى للقداسة. فالشهداء هم الذين غسلوا حللهم وبيضوها بدم الحمل" (رؤ 15:7).
إن الشهيد حسب كليمنضوس الإسكندري، "هو دعوة الإنسان إلى الكمال". والشهادة ليست نهاية حياته ولكنها تُظهر كمال المحبة. فلا يحمل الشهيد القداسة لإخوته فقط "بل لكل الكنيسة والعالم والكون". وكما يقول أحد الفلاسفة : عندما تكون كنيسة قديسة يصدر عنها قديسون، وبالمثل القديسون يجعلون من كنيستهم قديسة.

القداسة صحراء في قلب العالم

لقد أكد القديس أنطونيوس الكبير على ضرورة النزوح إلى الصحراء المكانية لتحقيق ذروات في حياة القداسة. ليأتي بعده القديس أفرام ليطور هذه الحقيقة. فيعتبر أن حقيقة التأمل هي ضرورة ملحة للالتزام العميق بالمسيحية. ويطلق قولاً للمسيح غير موجود في الإنجيل:"حيث يكون متوحد فأنا أكون.. ويضيف:"إن المسيح هو معنا... هو فرحنا" . ولكن التوحد والتأمل لا يتنافى مطلقاً مع الالتزامات الإنسانية الأخرى. فمع القليل من قوة الروح، يمكن عيش الشهادة في زحمة الحياة فلا ضرورة برأي القديس أفرام، للهرب من العالم.
وتأخذ الصحراء في قلب العالم، بُعداً مميزاً مع القديس فرنسيس الأسيزي حيث تبدأ خبرته الروحية بلقائه مع المسيح المصلوب ومن خلال مسيرة داخلية طويلة أخرجت فرنسيس من بيئته البرجوازية. لتنطلق به وتضعه في نور الرب مقدماً له ذاته في أعمال فقير وأخ صغير للفقراء والبرص والمهمشين. ففي كنيسة سان دميان طلب المصلوب من فرنسيس:" يا فرنسيس اذهب وأصلح كنيستي التي تنهار". لم يفهم مباشرة معنى هذا النداء. ولكنه شعر برغبة عميقة للتخلي. فترك كل شيء له وتوجه للتأمل بالمصلوب ملتزماً بحياته بكل ما تحمل من فقر وتواضع ووداعة ومحبة، وعلاقة الخالق بالخليقة. إن الاقتداء بالمسيح والتشبه بحياته، خصوصاُ بفقره وتواضعه، هو أساس بناء الروحانية الحقة. والمؤمن الذي يتخلى عن كل شيء وعن ذاته اقتداءً بالمسيح يغتني بالمسيح في آخر المسيرة. فالله يؤلهه متقبلاً تقدمة ذاته. إن تنازل الله نحونا يرفعنا ويمنحنا الكرامة الحقة وكان القديس فرنسيس، كأفرام السرياني ومعظم الآباء، يرجع دوماً إلى التوبة، وحتى، وهو على فراش الموت يتذكر كيف قاده الله إلى التوبة. فالتوبة هي حركة مستمرة في حياة المؤمن.

لذلك فنحن اللذين يحيط بهم هذا الجم الغفير من الشهود، فلنلق عنا كل عبء وما يساورنا من خطيئة ولنخض بثبات ذلك الصراع المعروض علينا، محدقين إلى مبتدئ إيماننا ومتممه، يسوع الذي، في سبيل الفرح المعروض عليه، تحمل الصليب مستخفاً بالعار ثم جلس عن يمين عرش الله" (عب 1:12-2).


العيد في سطور:

تُذَكِّر روزنامة الكنيسة الرومانية (اللاتينية ) بجميع القديسين الذين بلغوا السعادة الابدية. بما ان عدد القديسين يفوق التسمية والتعداد وبما انه من غير الممكن اعلان قداسة كل مَن بلغ الملكوت، فلذلك تُعَيِّد الكنيسة اليوم جميع الذين ينعمون بالسعادة الابدية. اوّل مَن رسَم هذا العيد في هذا اليوم هو البابا بونيفاسيوس الرابع (608-615).