French English اتصلوا بنا سجل الزوار

الدعوة الرهبانية

رهبنة الوردية المقدسة

HOME

 

العودة إلى الله ... عودة إلى الذات

 
 


القديس أوغسطينس:

...علينا أن نميز بين "الذاتego" وحب الإنسان لنفسه بمعنى حبه لخلاصها، هذا ما أكده السيِّد المسيح حين أعلن من يهلك نفسه يخلصها، بمعنى من يحطم "الأنا" فيه إنما يعيش في طريق الحب لا لله والناس والملائكة فحسب، وإنما يحب نفسه أيضًا خارج دائرة الأنانية. وهذا ما أعلنه الناموس حين طالبنا أن نحب قريبنا كأنفسنا، إذ يقول القديس أغسطينوس من لا يحب نفسه، أي خلاصها الأبدي، كيف يقدر أن يحب قريبه؟!

إن كانت الخطيَّة هي تحطيم للنفس بدخول الإنسان إلى "كورة بعيدة" أي الأنا، فإن التوبة هي عودة الإنسان ورجوعه إلى نفسه ليعلن حبه لخلاصها، فيرجع بهذا إلى أبيه السماوي القادر على تجديد النفس وإشباعها الداخلي. بهذا إذ يرجع الإنسان إلى نفسه إنما يعود إلى كورة أبيه، ليمارس الحب كعطيَّة إلهيَّة، ويوجد بالحق كعضو حيّ في بيت الله يفتح قلبه لله وملائكته وكل خليقته حتى للمقاومين له.

* إن الإبن الضال كان قد رجع إلى نفسه، فلأنه كان قد ترك نفسه، إذ سقط عن نفسه وتركها، لذلك يرجع أولًا إلى نفسه، لكي يرجع إلى حالته الأولى التي سقط منها.

* إذ سقط عن نفسه سقط عن أبيه.

إذ سقط عن نفسه انطلق إلى الأمور الخارجيَّة.

الآن يعود إلى نفسه فيعود إلى أبيه حيث تكون نفسه في آمان تام:

* رجع إلى نفسه بعد أن ابتعد عنها، لأن الرجوع إلى الرب هو رجوع إلى النفس. فمن يبتعد عن المسيح يقاوم نفسه


القديس أمبروسيوس

رجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهي ينير بصيرة الإنسان الداخليَّة ليكتشف فقره التام بل وموته، وفي نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصي ومحبَّته له، فيمتلئ رجاءً. فالقدِّيس بطرس رجع إلى نفسه عندما تطلع الرب إليه، فخرج سمعان بطرس خارجًا يبكي بمرارة، لكن ليس بدون رجاء، أما يهوذا فندم مدركًا شره، لكنه إذ لم ينظر إلى مخلِّص العالم مضى وشنق نفسه.

ما أحوجنا أن نجلس مع نفوسنا الداخليَّة تحت رعاية ربَّنا يسوع المسيح نفسه الذي يشرق علينا بروحه القدُّوس فيبكتنا على خطيَّة، وفي نفس الوقت يعزينا بنعمته المجانية، يهبنا تنهدات القلب مع سلامه الفائق، يدفق فينا ينبوع الدموع لتختلط مشاعر التوبة ببهجة عمله الإلهي. فنرجع إلى نفوسنا بالحق، متكئين في حضن الآب الباسط يديه بالحب ليحتضننا.

إذ رجع الابن الشارد إلى نفسه أدرك الحقيقة، أنه وهو ابن يشتهي أن يأكل الخرنوب مع الخنازير، بينما يأكل الأجراء في بيت أبيه خبزًا لا خرنوبًا! يعيش بعيدًا عن بيت أبيه في جوعٍ شديدٍ بينما يقترب الأجراء من أبيه ويشبعون!

* بعد أن عانى في كورة غريبة ما يستحقه الأشرار، فسقط تحت المصائب التي حلت به، أي الجوعوالعوز، أحسّ بهلاكه، مدركًا أنه بإرادته ألقى بنفسه في أيدي الغرباء بعيدًا عن أبيه، فصار في منفى عوض بيته، وفي عوز عوض الغنى، وفي مجاعة عوض الخيرات والترف؛ هذا هو ما عناه بقوله: "وأنا أهلك جوعًا"

كأنه يقول: إني لست غريبًا بل ابن لأب صالح وأخ لأخ مطيع. أنا هو الحُر النبيل قد صرت أبأس من العبيد الأجراء، سقطت من الرتبة العاليَّة السامية إلى أحط درجة!
هكذا يحثُّنا القديس أمبروسيوس على الرجوع السريع إلى بيت أبينا حتى لا نُحرم نحن الأبناء من التمتع بما يناله ولو الأجراء، الذين يخدمون أبانا السماوي من أجل الأجرة. لنجر سريعًا إليه، يدفعنا في ذلك عوامل كثيرة، أولها أننا لا نعرف متى تُطلب نفوسنا فقد تكون "الآن". وثانيًا لكي نجاهد بالحق، فإن كانت عطيَّة الله لكل داخلٍ ملكوته هي "الحياة الأبديَّة"، لكن "نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41)، وكما يقول رب المجد نفسه: "في بيت أبي منازل كثيرة" (يو 14: 2).

لنقم الآن وننطلق نحو بيت أبينا السماوي مجاهدين كل لحظات غربتنا، لنقول بحق: "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البرّ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل" (2 تي 4: 7-8).

القديس يوحنا ذهبي الفم

* آهأيها الرب يسوع،ليتك ترفع عنا الخرنوب، وتهبنا البركات، لأنك أنت المسئول في بيت أبيك!

ليتك تقبلنا عبيدًا، وإن كنا قد جئنا متآخرين، لأنك تقبل الذين يأتون في الساعة الحاديَّة عشر وتدفع لهم ذات الأجرة؛ تهبهم ذات الحياة لكن ليس نفس المجد، فإكليل البرّ لا يحفظ للجميع، بل للذي يستطيع أن يقول "جاهدت الجهاد الحسن" (2 تي 4: 7)!

يرى البعض أن يؤجلوا عمادهم أو توبتهم لحين قرب الموت، لكنك كيف تعرف أنه لا تُطلب نفسك في هذه الليلة (12: 20)؟