Home English اتصلوا بنا سجل الزوار

الدعوة الرهبانية

رهبنة الوردية المقدسة

 

 

 
 

جاهد كمسيحي! إليك السبيل

 
 
 

 

 
 

 
 

إذا كان لديك تطبيق الكتاب المقدس على الكومبيوتر أو على الهاتف بالعربية وفتشت على كلمة "جهاد" سيكون لك مفاجئة. فتبعًا للترجمة المتوفرة لديك، ستجد أكثر من مرة هذه الكلمة التي يبدو وكأنها باتت في أيامنا حكرًا على التكفيري ومرتبطة "ببرارته" الفريسية العمياء (والمزعومة).

لن أدخل في هذه المقالة في تعاريج التفسير الكتابي الذي يتطلب عودة مستمرة إلى النص اليوناني الأصلي. يكفيني لمقصدي بأن أذكر بأن كلمة جهاد التي ترد في العهد الجديد تترجم كلمة "أغونيا" اليونانية، وفعل "جاهد" يترجم فعل "أغونيتزوماي" اليوناني. من هذا المنطلق سنتأمل بمعنى الجهاد بحسب العهد الجديد.

1- الجهاد كنزاع

إذا ما نظرنا إلى إنجيل لوقا البشير، نرى أن في آلام المسيح مرحلة يدخل فيها في صراع كبير ويقول لنا الإنجيلي واصفًا تلك اللحظة: "وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ" (لو 22، 44). يصف لنا لوقا بهذه الكلمة الصراع الروحي الذي مر به يسوع. والإنجيلي يستعمل هنا كلمة "أغونيا" التي هي في الكثير من اللغات المعاصرة تعبير هن حالة "النِزاع" قبل الموت. يسوع ينازع، يتذوق مرارة الموت من خلال فكرة الموت ومعرفته المسبقة بما سيواجهه.

2- الجهاد كأمانة للوحدة مع الإخوة

في رسالته إلى أهل فيليبي يتحدث بولس إلى المؤمنين عن جهاده، معلمًا إياهم بأن جهادهم هو عين جهاده: "إِذْ لَكُمُ الْجِهَادُ عَيْنُهُ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، وَالآنَ تَسْمَعُونَ فِيَّ" (فيل 1، 30). عن أي جهاد يتحدث الرسول؟

يكفي أن نرى الآيات السابقة لنجد الجواب. فبولس يدعو المؤمنين لكي يعيشوا "كما يحق لإنجيل المسيح". وكيف يعيش الإنسان بشكل يحق لإنجيل المسيح؟ ليس من خلال قتل الآخرين وخلق العداوة وتكفير الآخرين، بل من خلال الثبات "فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ"( فيل 1، 27).

ولعل الآية التالية تجد في أيامنا هذه تطبيقًا كما وكأن بولس يتحدث عما يجري في أيامنا إذ يقول: "غَيْرَ مُخَوَّفِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ، الأَمْرُ الَّذِي هُوَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ لِلْهَلاَكِ، وَأَمَّا لَكُمْ فَلِلْخَلاَصِ، وَذلِكَ مِنَ اللهِ".

3
- الجهاد كمشاركة في آلام المسيح

في المقطع عينه يستمر بولس بالحديث عن جهاده الذي هو الجهاد الذي يعيشه المؤمنون بالمسيح، ويقول أن هذا الجهاد يتمثل بأننا لم نحظى فقط بهبة الإيمان بالمسيح، بل أيضًا بهبة التألم لأجله: "لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ".

4- الجهاد كحضور في الحب

وفي عصر أضحى فيه الجهاد مرادفًا لاحتقان بغض وغضب مراهقة وانحطاط إنساني، نرى في العهد الجديد استعمالاً لكلمة جهاد بمعنى مغاير جدًا. فبولس يتوجه إلى أهل كولوسي متحدثًا عن "جهاده لأجلهم" (الفصل الثاني) وإذا قرأن في هذا الفصل نجد أنه يعني العناية التي يكنها لهم والتي هي أشبه بالعناية الأبوية والأمومية. يكفي أن نفكر بآبائنا وأمهاتنا عندما نكون بعيدين، في الغربة، أو في ساحة القتال، إلخ. كم من الأفكار والنزاعات تساورهم محبة بنا. بولس يتحدث عن هذه المشاعر بالذات، عندما يضحي الآخر فلذة من أكبادنا.

يعيش بولس لأجل هؤلاء المؤمنين آلام مخاض، ورغم أنه ليس حاضرًا بالجسد دومًا، إلا أنه حاضر بالروح، وهذا بالنسبة له جهاد: "َإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ غَائِبًا فِي الْجَسَدِ لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ، فَرِحًا، وَنَاظِرًا تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ فِي الْمَسِيح".

5- الجهاد كإرضاء لله لا للناس

في كلامه إلى أهل تسالونيكي يعترف بولس بأنه حمل إليهم بشرى الإنجيل بـ "جهاد كثير" (1 تسا 2، 2). لماذا؟ لأن بولس، عندما كان في فيليبي، وقبل أن يصل إلى تسالونيكي، عانى الاضطهاد والضرب وغيره من أشكال التعذيب الجسدية والنفسية (راجع أع 16، 24). ولكم كانت حياة بولس سهلة لو امتثل لما يرضي القطيع! فهو، كمواطن روماني، كان له حقوق مهمة ومصونة. إلا أنه لم ينظر إلى حياته من منظور بشري، بل بنظرة الله، محتملاً الآلام لأجل خصب البشارة. وها هو يشارك أهل تسالونيكي بنظرته لهذا الجهاد فيقول: "إن وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ، بَلْ كَمَا اسْتُحْسِنَّا مِنَ اللهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى الإِنْجِيلِ، هكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي النَّاسَ بَلِ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا".

6- الجهاد كحفظ الإيمان

إن رسالتي بولس إلى تلميذه تيموثاوس تتضمنان الكثير من حنان الأبوة الروحية، فهناك يترك بولس جانبًا وجهه الصارم، ويُظهر اهتمامه الأبوي وحضه لابنه الروحي الأشهر. يحث بولس تيموثاوس على "حفظ الوديعة" وديعة الإيمان التي تلقاها من أمه وجدته، ويدعو الابن الروحي الحبيب إلى الجهاد قائلاً: "جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ" (1 تيم 6، 12).

هذا وفي رسالته الثانية إلى تيموثاوس يتحدث عن جهاده الشخصي بمعنى ثباته في هبة الإيمان التي تلقاها على طريق دمشق. وجهاده إنما هو عبارة عن أمانته وإيمانه: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ" (2 تيم 4، 7).

7- الجهاد كصبر حتى المنتهى وثبات في البر

في الرسالة إلى العبرانيين يتوجه كاتب الرسالة إلى المؤمنين حاضًا إياهم إلى الاقتداء بإيمان أجدادنا في الإيمان، ويعدد في هذا الإطار خبرات إيمان "أسلافنا" الروحيين من العهد القديم. وبعد أن يقدم لقرائه هذه "السحابة الضخمة من الشهود"، يدعو القارئين إلى الاقتداء بهم في حياة البر والثبات فيه حتى المنتهى فيقول: " ِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا" (عبر 12، 1).

وأنت أي جهاد تعيش؟