Home English اتصلوا بنا سجل الزوار

الدعوة الرهبانية

رهبنة الوردية المقدسة

 

 

 
 

التوجه إلى السماء

 
 
 

 
 

ان المحور الرئيسي لقراءات هذا الاحد هو "الصلاة" وفعاليتها، بالفعل فانها دعوة إلى المداومة على الصلاة والالحاح فيها والتوجه إلى السماء بالدعاء في جميع الظروف والاحوال وخاصة في وقت الشدة والضيق وبالخصوص في وقت خطر الحرب.. وقد رأينا قوتها قبل شهر عندما دعى قداسة البابا الى يوم الصلاة والصوم لمنع الحرب على سوريا والتي لم تحدث ونأمل أن لا تحدث أبداً.. أن قداسته كان مثل موسى العصر الذي يرفع يديه متضرعاً طالباً لعالمنا السلام.

والغريب في الأمر أننا نرى في القراءة الأولى موسى يتشفع لشعبه من أجل الانتصار في الحرب إذ أنه وقف فوق تلة وعصا الله في يده فكان اذا رفع موسى يده يستظهر بنو اسرائيل واذا حطها ينهزمون، لدرجة أنه كلما كلت يديه أخذ حجراً وجلس عليه وأسند هارون وحور يديه، أحدهما من هنا والآخر من هناك، فكانت يديه ثابتتين الى مغرب الشمس، حتى انتصروا في المعركة.

بطبيعة الحال، نحن ضد الحرب، وضد استخدام الصلاة من أجل الانتصار، ولسنا مع إله يأمر بالحرب وينصر على الاعداء بحد السيف، ولكننا نأخذ العبرة من هذه القصة المعبرة بحسب قول القديس بولس: "وأريد أن يرفع الرجال أيدياً طاهرة دون غضب أو خصام"، بمعنى أننا إذا أردنا نيل أي حاجة من الله يجب أن نطلب ذلك "اطلبوا تجدوا" وأن نرفع أيدينا ولكن شريطة أن تكون طاهرة وقلوبنا نظيفة، كما يقول القديس يعقوب: "صلاة البار لها اقتدار عند الرب"، فشرط أساسي لاستجابة الصلاة هو البرارة ونقاوة الأيدي والقلوب.

أما في الانجيل المقدس، فإن السيد المسيح يريد أن يعلم التلاميذ ويعلمنا وجوب المداومة على الصلاة من غير ملل أو كلل، فيضرب لهم مثلاً: "كان في أحدى المدن قاضٍ لا يخاف الله ولا يهاب الناس، وكان في تلك المدينة أرملة تأتيه فتقول: أنصفني من خصمي. فأبى عليها ذلك مدة طويلة. ولكنها لم تيأس واستمرت في المطالبة لدرجة أنها أزعجته وأقلقت راحته. فقال في نفسه: "أنا لا أخاف الله ولا أهاب الناس، ولكن هذه الارملة تزعجني، فسأنصفها لئلا تظل وتأتي وتصدع رأسي".

وخلص السيد المسيح بهذه النتيجة: "اسمعوا ما قال القاضي الظالم، أفما ينصف الله مختاريه، الذين ينادونه نهاراً وليلاً، وهو يتمهل في أمرهم؟ أقول لكم إنه يُسرع إلى أنصافهم. ولكنه ينهي هذا المثل بتساؤل مُحيِّر مُخيف: "ولكن متى جاء إبن الانسان، أتراه يجد الايمان على الارض"؟

لدى قراءتي لهذا النص شعرت وكأن حالنا لا يختلف كثيراً، فكأننا مثل هذه الأرملة التي تواجه القاضي الظالم، فنحن كشعب فلسطيني مظلوم مسلوب الحرية والأرض نواجه احتلالاً لا يخاف الله ولا يرحم البشر (الله وخلق الله) ونصرخ منذ أجيال وأجيال وكأن لسان حالنا يقول مع الارملة "أنصفني يا خصمي"، ونقول مع القائلين "لا يضيع حق ووراءه مطالب" كما فعلت هذه الارملة، لقد أنصفها للجاجتها والحاحها في الطلب، إنها لم تيأس ولم تتراجع أمام عناده وجبروته وظلمه، بل استمرت فنالت (صبرت وصرخت ونالت). هذه حالنا مع غريمنا، وآمل بأن يكون مصيرنا كمصير هذه الأرملة، ونحن على ثقة بذلك، لأن الظلم لا يمكن أن يستمر، لا بد أن تتحرك القلوب والضمائر في الجهة المقابلة، حتى ولو من باب الخلاص من المطالبة وطلباً للأمن والراحة.

يجب أن نفهم هذه الآلية النفسية، فالطرف الآخر ليس مرتاحاً ولا آمناً، فإنه يمتلك قوة السلاح ولكنه لا يملك قوة الحقيقة، وبالتالي فإن منطق القوة لن يتغلب أبداً ولن يوفر الراحة. إنهم يعيشون في القلق والخوف لدرجة الرعب، ولا يمكن أن يستمروا هكذا الى الأبد. وبالتالي فأنا أعتقد بالقياس بأن شيئاً ما سيتحرك في قلوبهم وضمائرهم إن لم يكن من باب الاقتناع فمن باب الرغبة في الراحة.


إن كانت هذه حالنا مع خصم ظالم فكم بالاخرى مع الله وهو الرحمن الرحيم، فإنه أبٌ محبٌ للبشر يريد مصلحة أبنائه. قد يبطيء ولكنه لا ينسى الى الأبد. قد يُمهِل ولكنه لا يُهمِل. قد يمتحن إيماننا ولكنه في النهاية يستجيب لنا لأنه يريد أن يمحصنا كما يمحص الذهب في البوتقة والنار، هذا معنى الايمان، أي الثقة والتصديق والاستسلام لارادة الله القديرة والمُحِبة.

قد تكون المشكلة فينا إذ أننا نفقد الثقة بأنفسنا ونفقد الثقة بالله فنيأس ونشك ونتردد ونتراجع، من هنا يجب أن نأخذ العبرة من هذه الأرملة، ولا نكونن ممن قال عنهم السيد المسيح في نهاية المثل: "ولكن متى جاء إبن الانسان، أتراه يجد الايمان على الارض؟" أخشى التعميم، ولكني أرى بأن في هذا الكلام الكثير من الحقيقة، فالعالم الان غارق في المادة لذلك يسير في خطى متسارعة نحو الهلاك، فلا نريد نحن المؤمنين أن ننزلق في هذا المنزلق بل نبقى ثابتين على الايمان والرجاء والمحبة.

خلاصة القول: إذا كنا قد توجهنا الى العالم والى اخوتنا العرب والمسلمين والى المحافل الدولية والمنظمات العالمية واستصدرنا مئات القرارات، واذا كنا قد استعملنا كل الاسلحة ولم نتوصل الى نتيجة سوى القتل والدماء والدمار وزيادة الحقد والبغض والكراهية، فلماذا لا نتوجه إلى السماء بالدعاء؟ لماذا لم نلجأ إلى السلاح الاكثر فعالية والاقل كلفة وتدميراً، أي سلاح الصلاة وخاصة صلاة المسبحة الوردية بشفاعة أمنا مريم العذراء، طالبين منها السلام لبلادها: "يا بنت هذه البلاد وأم سائر العباد، الشر قد طغى وزاد فامنحي السلام".

نحن نصلي منذ زمن طويل من أجل السلام في الارض المقدسة، وكثيراً ما نشعر بأن الله لا يصغي إلينا ولا يستجيب الى صلاتنا، فهذا دليل على ضعف إيماننا من جهة وعدم قوة صلاتنا من جهة أخرى، ودافع لنا بأن نثابر على الصلاة دون ملل أو يأس "صلوا ولا تملوا" دون انقطاع "صلوا في كل حين". وما أحوجنا إلى مثل هذه الصلاة الصادقة الحارة الواثقة في هذه الايام الصعبة أكثر من أي وقت مضى، علَّ الله "يرأف بنا ويباركنا ويكون منيراً بوجهه علينا" فنحصل على المعجزة التي نحتاج إليها وهي "أن يبارك الله أرضنا بالسلام".

ويمكننا أن نتوجه بالخصوص إلى سيدتنا مريم العذراء "سلطانة فلسطين" - ونحن على أبواب عيدها السنوي- بالصلاة المشهورة التي نرددها مراراً وتكراراً: "نلتمس منك أن تلقي نظرة عطوفاً على هذه البلاد الفلسطينية التي تخصك أكثر من سائر البلاد، لأنك باركتها بميلادك فيها، وبفضائلك وأوجاعك، ومن هذه البلاد منحتي الفادي العالم.. فاسهري إذن بعناية فريدة على وطنك هذا الارضي وبددي عنه ظلمات الضلال والظلم وامنحيه السلام".